الأربعاء، 11 يونيو 2008

أبو عيسى .. و الحوثيين .. و سجن السبعين ( 4 )



بقلم / ضياء الشريف


تستوقف أبا عيسى عبارة كتبت في تلك الجدران التي تريد أن تنقض
.. و قد كتبت بالقُص المتساقط من سقف السجن ..

" من أحب الحياة عاش ذليلا " الإمام زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب ،،

القراءات: 129
التعليقات: 0
المشاركات: 202
التسجيل: الإثنين 18-06-2007
مراسلة موقع

لا يعرف أبو عيسى عن زيد بن علي (ع) إلا أنه إمام نصف أهل اليمن .. لكن الذي
استوقف أبو عيسى لم يكن جهله بالإمام زيد فحسب .. بل لقد أبهرته المعاني التي
احتملتها تلكم العبارة ؛ بقلة كلماتها ؛ و وسعة معانيها ..

و استوقفه شيءٌ آخر .. فمن الذي سيرفع شعارات كهذه من داخل السجن .. السجن
الذي يفترض به أن يكون عنواناً لمذلة الناس ..

ثم يحدث نفسه .. بأن من كتبها لا بد أن يكون حوثيا .. فمن الذي سيرفع شعارات
زيدٍ غيرهم ؟ .. بل هم من ينتمون لتلك العبارة حقيقةً لا مجازا .. أليسوا هم
من لم يرضخوا حتى تحت سياط السجانين .. و في أرض صعدة ما هانوا حتى تحت وبيل
المدافع و أصوات طائرات الميج .. و لا زالت أصداء ذلك الشعار الذي دوى في صالة
الوعاظ تدق في أذنيه ..


و في الزنزانة ..

يسترجع أبو عيسى وضعه السابق .. و يستعد لمساءلة الأشتر أسئلة ظلت تراود عقل
أبو عيسى ..


فسأل أبو عيسى : لماذا تقولون السيد قبل اسم حسين الحوثي .. و هل من دون
السادة هم عبيد ؟

و يجيبه الأشتر : يا أبا عيسى ؛ إن حملت كلمة السيد على المعنى اللغوي .. فقد
يكون في كلامك شيء من الصحة .. لكن إذا كان اسم السيد في عرفنا اسماً لمن كان
من ذرية رسول الله _ صلوات الله عليه و على آله _ حُمل الكلام على المعنى
العرفي لا على المعنى اللغوي _ و ذلك مشهور في اللغة _ ، إن اسم السيد في عرف
هذه الأقطار ( اليمن ) قد صار لقباً لمن كان من ذرية رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم)
فقول القائل: يا سيدي أو يا سيد إقرار بهذا وتشريف له بالنسبة، فهو كما يقال
في غير هذه البلاد: يا شريف. وهذا من الأدب وحسن الحوار والإحسان و الله تعالى
يقول: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) ، فهو عدل من حيث الإقرار بالحق، وإحسان
من حيث التشريف بالنسبة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). ولأجل هذا
العرف في البلد قد صار تركه سبباً لاتهام من ترك هذا الاسم بأن في نفسه شيئاً
للسيد.

و أبو عيسى ينصت للأشتر بكل جوارحه .. ثم إن أبوعيسى لا يمتلك تلك العقدة
العرقية لكل ما هو هاشمي .. و لكل ما يمت للهاشميين بصلة .. فهو ينتمي إلى
قبيلة من ذروة القبائل اليمنية .. و قد تربى على احترام أحفاد رسول الله _
صلوات الله عليه و على آله _ .. و لا يزال يتذكر استشهاد أبيه بآية من سورة
الشورى .. قال الله تعالى فيها ((قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) ..



و في الجانب الآخر من المبنى ( جهاز الأمن السياسي ) .. عند أصحاب القرار ..
تجري محادثة بين رئيس الجهاز و نائبه ..

الرئيس :الحوثيون يحرزون تقدماً كبيراً في صعدة .. و يجب علينا الضغط عليهم عن
طريق اعتقال أقربائهم في صنعاء .. بل و كل من ينتمي للمذهب الزيدي .. و يجب
علينا المسارعة بتشكيل خلية صنعاء الرابعة للبدء في محاكمتهم ..

النائب : لكن كيف و قد أعلنا أن الخلية تتكون من 20 شخصا و حالياً لا يتواجد
غير 19 شخصا في سجننا ؟ ..

الرئيس : بلغني أن من في السجون قد صاروا 20 شخصا ..

النائب : من اعتقل مؤخرا اسمه أبو عيسى .. و هو لا ينتمي للحوثيين لا من حيث
القرابة .. و لا يظهر عليه أنه ينتمي للمذهب الزيدي ! ..

الرئيس : قد اسمه جا .. به و بهم يكتمل نصاب الخلية .. و هذا ما يهم ..

النائب : و هو كذلك ..

و في تلك اللحظات تستعد الاطقم العسكرية لنقل من في السجن السياسي من الحوثيين
إلى سجن الأمن المركزي شرقي صنعاء .. تمهيداً للإعلان عن محاكمة الخلية
الرابعة ..

كانت قد نشأت علاقة خاصة بين أبي عيسى و الأشتر ..

فقد عرف أبو عيسى معنى حقيقيا للإخاء في ظل الله ؛

و عرف معنى الإيثار .. حتى في الطعام الذي كان يؤثر به الأشتر أبا عيسى على
نفسه _ ذلك الطعام الذي لا يسد رمق شخص واحد _ ( كدمة جافة ) ؛

و عرفه عند قيامه لليل و عند مناجاته لله عز و جل ؛

و عرف كثيراً .. يحتفظ به أبا عيسى لنفسه ..

هاهم جنود السجن يقتحمون الزنزانة بشراسة كرة أخرى .. ليقطعوا حديث الأشتر و
أبو عيسى .. و يقومون باقتياد السجناء إلى الأطقم العسكرية ..

يتساءل أبو عيسى : إلى أين هذه المرة ؟ ..

يجيبه الجنود : إلى السجن المركزي ؛ كي تحاكموا على ما اقترفتموه من جرائم ..

فيجيبهم : جريمتي أني مللت كذبكم .. و جريمة هؤلاء أنهم ينتمون للمذهب الزيدي
..

لكن عند من يا أبو عيسى .. ألا تعرف أن هؤلاء الجنود لا يتعدى مجال تفكيرهم
خوذهم العسكرية ؟ ..

يناجي الأشتر أبو عيسى : إن استطعت الهروب فلا تتردد بالفرار ..

و الجنود يقتادونهم إلى الأطقم .. فكان طقم أبي عيسى آخر تلك الطقوم ..

جلس الأشتر و أبو عيسى إلى مؤخرة الطقم و أمامهم جنديان ..

و انطقلت الأطقم ..و في طريقها .. يلمح الأشتر أشعة الشمس ترمي بخيوطها إلى
عيني الجندي الذي بزاوية أبو عيسى .. فأشار بعينيه إلى أبي عيسى ليهرب .. ثم
قام سريعا و دفع بأبي عيسى إلى خارج الطقم و وثب كالأسد ليغطي على الجندي الذي
بناحيته .. و بعد أن قفز أبو عيسى .. إذا بالجندي الذي أعمته الشمس يطلق
الرصاص عشوائيا على الشارع .. و الآخر يصوب الرصاص إلى جسد الأشتر ..

يا للهول .. أصابت الرصاصات جسد الأشتر .. و دماؤه تنزف إلى كل صوب ..

و يحار أبو عيسى .. أيرجع لينقذ صاحبه .. أم يواصل الهرب .. أم ماذا ؟ ..

و ماذا حل بالأشتر ؟ ..

كل ذلك سنعرفه في الجزء القادم ،،

-------------------------------------------

* ملاحظة : الكلام عن السيد و تفسير المصطلح مأخوذ _ بتصرف _ عن كتاب تحرير
الأفكار لمولانا العلامة الكبير بدر الدين بن أمير الدين الحوثي حفظهم ا

ليست هناك تعليقات: