دروس من هدي القرآن الكريم
في ظلال مكارم الأخلاق
(الدرس الأول)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ:
1/2/2002م
اليمن ـ صعدة
هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.
وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق.
اللهم وصل وسلم على محمد وعلى آله الطاهرين.
الحمد لله رب العالمين ، { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } .
في دعاء مكارم الأخلاق ــ للإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم ــ فيه ما ينبه على أشياء كثيرة مما يجب أن يكون الإنسان فيها راجعاً إلى الله يطلبها منه ، ويطلب الهداية إليها منه ؛ يطلب التوفيق إليها منه .
الهداية ليس هناك آلية مبرمجة للهداية بحيث أن الإنسان ممكن أن يوفرها ، لا بد .. لا بد من الرجوع إلى الله ، لا بد من الدعاء أن نطلب من الله الهداية ، أن نطلب من الله التوفيق ، أن نطلب من الله الاستقامة ، أن يوفقنا للاستقامة ، أن نطلب من الله أن يثبت خُطانا ، أن نطلب من الله أن يسدد أقوالنا .
الإنسان لا يستطيع بنفسه ، لا يستطيع من خلال الاعتماد على نفسه أن يحقق لنفسه الهداية ، والتوفيق في المجالات التي ترتبط بحياته ، وفيما يتعلق بآخرته ، هنا يقول الإمام زين العابدين صلوات الله عليه ( اللهم صل على محمد وآله وَبَلِّغْ بإيماني أكمل الإيمان ) هو على ما هو عليه من العبادة والتقوى لم يحدث في نفسه غرور ولا إعجاب بحالته التي هو عليها وهو من يسمى ــ لما كان عليه من العبادة ــ زين العابدين ، وسيد الساجدين ، مازال يطلب من الله أن يبلغ بإيمانه أكمل الإيمان .
القرآن الكريم تضمن في آياته الكريمة داخل سوره المتعددة الحديث عن الإيمان وأعلى درجات الإيمان ، وأكمل الإيمان من مثل قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ومثل قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } .
مطلب مهم وغاية تستحق أن يسعى الإنسان دائماً إلى الوصول إليها.. أن تطلب من الله أن يبلغ بإيمانك أكمل الإيمان، لا ترضى بما أنت عليه، لا تقف فقط على ما أنت عليه فتضع لنفسك خطاً لا تتجاوزه في درجات الإيمان، وفي مراتب كمال الإيمان .
من يرضى لنفسه أن يكون له خط معين لا يتجاوزه في إيمانه فهو ممن يرضى لنفسه بأن يظل تحت ، وأن يظل دون ما ينبغي أن يكون عليه أولياء الله ، الإنسان المؤمن هو جندي من جنود الله ، وميدان تدريبه ميدان ترويضه ليكون جندياً فاعلاً في ميادين العمل لله سبحانه وتعالى هي الساحة الإيمانية ، ساحة النفس ، كلما ترسخ الإيمان في نفسك كلما ارتقيت أنت في درجات كمال الإيمان ، كلما كنت جندياً أكثر فاعلية ، وأكثر تأثيراً ، وأحسن وأفضل أداء .
نحن نرى الدول كيف تختار من داخل الجيش فرقاً معينة تدربها تدريبات خاصة ، تدريبات واسعة وتدريبات شاملة لمختلف المهام ، تدريبات على مختلف الحركات ليكون أولئك الجنود داخل تلك الفرقة في مستوى الفاعلية لتنفيذ مهام معينة ، مهام صعبة ، وتلك المهام وتلك القضايا التي هي في ذهن رئيس الدولة أو الملك هي دون ما ينبغي أن يكون في رأس المؤمن في ميادين العمل لله سبحانه وتعالى ، مهام واسعة .
الجندي قد ينطلق في تنفيذ مهام كلها تنفيذية كلها حركة.. لكن جندي الله مهامه تربويه ، مهامه تثقيفية ، مهامه جهادية ، مهامه شاملة .. يحتاج إلى أن يروض نفسه .. فإذا ما انطلق في ميادين التثقيف للآخرين، الدعوة للآخرين إرشادهم.. هدايتهم.. الحديث عن دين الله بالشكل الذي يرسخ شعوراً بعظمته في نفوسهم ، يجب أن يكون على مستوى عالٍ في هذا المجال ، جندي الجيش العسكري في أي فرقة ، لا يحتاج إلى أن يمارس مهام من هذا النوع ، مهامه حركة في حدود جسمه قفزه من هنا إلى هناك ، أو حركة سريعة بشكل معين .
لكن أنت ميدان عملك هي نفس الإنسان، وليس بيته لتنهبه، وليس بيته لتقفز فوق سطحه، الجندي قد يتدرب ليتعلم سرعة تجاوز الموانع، أو سرعة القفز، أو تسلق الجدران، أو تسلق البيوت، لكن أنت ميدان عملك هو نفس الإنسان.. الإنسان الذي ليس واحداً ولا اثنين ، آلاف البشر ملايين البشر ، تلك النفس التي تُغزَى من كل جهة ، تلك النفس التي يأتيها الضلال من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها .. فمهمة المؤمن يجب أن ترقى بحيث تصل إلى درجة تستطيع أن تجتاح الباطل وتزهقه من داخل النفوس ، ومتى ما أنزهق الباطل من داخل النفوس إنزهق من واقع الحياة ، { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } .
وأنت جندي تنطلق في سبيل الله سترى كم ستواجهك من دعايات تثير الريب تثير الشك في الطريق الذي أنت تسير عليه ، تشوه منهاجك وحركتك أمام الآخرين ، دعايات كثيرة ، تضليل كثير ومتنوع ومتعدد ، وسائل مختلفة ما بين ترغيب وترهيب .
الجندي المسلح بالإيمان إذا لم يكن إلى درجة أن تتبخر كل تلك الدعايات وكل ذلك التضليل ــ سواء إذا ما وُجّه إليه أو وُجّه إلى من هم في طريقه ، لمن هم ميدان عمله ــ يستطيع أيضاً أن يجعلها كلها لا شيء لأن هذا هو الواقع واقع الحق ، إذا ما وجد من يستطيع أن ينطق به ، إذا ما وجد من يفهمه ، وفي نفس الوقت يجد آذاناً مفتحة وواعية فإنه وحده الكفيل بإزهاق الباطل بمختلف أنواعه ، ومن أي جهة كان ، ومن أي مصدر كان { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } زهوق بطبيعته إذا ما هاجمه الحق ، لكن ذلك الحق الذي يقدم بصورته الكاملة ، ذلك الحق الذي يقدم بجاذبيته ، بجماله ، بكماله ، بفاعليته وأثره في الحياة هو من يزهق الباطل ، لو قُدم الحق في هذه الدنيا من بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتُرك لمثل الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله ــ ذلك الرجل الكامل الإيمان ــ لما عاش الضلال ولما عشعش في أوساط هذه الأمة ، ولما أوصلها إلى ما وصلت إليه من حالتها المتدنية .
غيرُ صحيح ، بل باطلٌ أن يُقال أَن أهلُ الحقِ دائماً يكونون مستضعفين ، وأن من هم على الحق دائماً يكونون ضعافاً ، وأنه هكذا شأنُ الدنيا ، هذا منطقُ من لا يعرفونَ كيف يقدمون الحق ، منطقُ من لا زالوا في ثقافتهم ، التي فيها الكثير من الدخيل من الضلال من قِبل الآخرين ، أيُّ منطقٍ هذا أمامَ قوله تعالى { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } ؟! . إن الباطلَ كان زهوقاً بطبيعته ، لا يستطيع أن يقف إذا ما قُدمَ الحق .. مَن الذي يمكن أن يُقدم الحق ؟ .
هو من يسعى دائماً لان يطلب من الله أن يبلغ بإيمانه أكمل الإيمان ، عندما تكون متعبداً لله حاول دائماً أن تدعوا الله أن يبلغ بإيمانك أكمل الإيمان ، حاول دائماً أن تبحث عن أي جلسة عن أي اجتماع عن أي شيء يكون مساعداً لك على أن يبلغ إيمانك أكمل الإيمان .
قد يرضى بعض الناس لنفسه حالةً معينة فلا يرى نفسه محتاجاً أن يسمع من هنا أو من هناك ، ويظن بأن ما هو عليه فيه الكفاية وانتهى الأمر . لكن وجدناكم من هذا النوع أعداداً كبيرة لا تستطيع أن تزهق ولا جانباً من الباطل في واقع الحياة ، وفي أوساط الأمة ، إذا كنت طالب علم فلا ترضى لنفسك بأن تكتفي بأن تنتهي من الكتاب الفلاني والمجلدات الفلانية والفن الفلاني وانتهى الموضوع ، وكأنك إنما تبحث عن ما يصح أن يقال لك به عالم أو علامة ، حاول أن تطلب دائماً ، وأن تسعى دائماً بواسطة الله سبحانه وتعالى أن تطلب منه أن يبلغ بإيمانك أكمل الإيمان .
كم في هذه الدنيا وكم في أوساطنا من الكثير من نوعيتنا الذين نحن ندعي الإيمان ، ولكنا نجد أن من يستطيعوا أن يغيروا في واقع الحياة هم العدد القليل جداً من المؤمنين ، أولئك الذين يسعون لأن يبلغ إيمانهم أكمل الإيمان ، ويدعون الله أن يبلغ بإيمانهم أكمل الإيمان وإلا فالمؤمنون ــ إن صح التعبير ــ أو أدعياء الإيمان من نوعيتنا كثير ، ومعنى أننا ندعي الإيمان أننا نمتلك الحق ، لكن ما بالُ هذا الحق الذي معنا لا يستطيع أن يزهق أي شيء من الباطل { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } لماذا لا يكون الباطل زهوقاً أمام الآلاف من مدعي الإيمان من مختلف المناطق ؟ .
لماذا يكاد أن يزهق الحق من أنفسهم هم ؟ . ناهيك عن أن يزهقوا الباطل من نفوس الآخرين أو من واقع الحياة ، ربما لأننا جميعاً مؤمنون من هذا النوع الذي يرسم لنفسه خطاً معيناً لا يتجاوزه ، فيصبح ذلك الخط هو المانع له دون أن يزداد معرفة .. دون أن يزداد هدى ، هو الحاجز الذي يمنعه أن يبحث عن أي مصدر للهداية ، أن يحضر في جلسة معينة في مسجد معين .. يستمع لشريط معين ، يتدبر كتاب الله بشكل جدّي .. يقرأ صفحات هذا الكون وما أكثر ما يفيد الإنسان النظر في هذا الكون وتأملات حياة الناس في هذا العالم وأحداث هذا العالم ، ما أكثر ما تصنع من إيمان في نفسك .
هل أحدُ منا يرى أن بينه وبين الإمام زين العابدين نسبة في فضله ، في إيمانه ، في كماله ، في عبادته في تقواه ؟. الفارق كبير جداً بيننا وبينه لكنه هاهو يقول ويدعو الله سبحانه وتعالى .. لماذا يدعو الله سبحانه وتعالى ؟. لأن الإنسان ــ أحياناً ــ قد يعتقد بأن كل مصادر الهدى قد اطلع عليها .
الله أكبر..الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود..النصر للإسلام
الإنسان بضعف إدراكه ومعرفته المحدودة ــ حتى وإن كان جاداً يبدو له وكأن مصادر الهدى كاملة قد قدمت إليه وانتهى الموضوع. فلا يفكر أن يبحث أو أنه بحاجة إلى المزيد، هذه حالة تحصل عند الناس لكن ارجع إلى الله هو الذي يعلم أنك بحاجة إلى المزيد ليرشدك هو إلى المزيد وإلى المزيد من مصادر الهدى والمعرفة والإيمان.
لا تقل في نفسك: يكفي، يبدو أنني قد فهمت من خلال شهرٍ معين من خلال سنة معينة من الدراسة يبدو قد فهمت كل شيء وأصبح ما في نفسي كفاية ، حاول دائماً طول حياتك .. طول حياتك وكلما تقرأ كتاب الله تدعوا الله دائماً أن يهديك بكتابه وأن يوفقك لفهم كتابه لتزداد إيماناً.. تزداد إيماناً .. تزداد إيماناً . حتى وإن وصلتَ إلى درجة أولئك الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. . وهل نحن وصلنا هذه ؟ . لا نزال بعيدين الذين إذا ذكر الله ــ يذكره أحد عندهم ــ وجلت قلوبهم تضطرب، ترتجف خشية من الله وخوفاً منه، هل وصلنا إلى جزء من هذه الدرجة ؟ . . لا .
إذاً ما يزال الطريق طويلاً داخل أنفسنا لنصل بها إلى هذه الدرجة إن شاء الله .
وقال الله سبحانه وتعالى { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ثلاث صفات مهمة جداً خوف من الله ، خشية من الله ، اشتياق إلى الله توجل له القلوب ، حرص على الهداية ، معرفة لعظمة وقيمة الهداية فيزدادون إيماناً كلما تتلى عليهم آيات الله ، وكلهم ثقة بالله ، ثقة قوية بالله يتوكلون على الله { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } لا نزال دون هذا المستوى في المجالات الثلاثة كلها .. أليس كذلك ؟ .
قد يقول البعض: ( الحمد لله والله إن كلُ منا يعرف ما له وما عليه. وقد سمعنا الذي فيه الكفاية ويكفي، وسنمشي على الذي قد فهمناه ) وانتهى الموضوع.
حاول دائماً .. دائماً .. دائماً هكذا ومتى رأيت نفسك أنك ترى أنه ليس هناك شيء من مصادر الهداية إلا وأنت قد استكملته فاعرف بأن معرفتك قاصرة ، فارجع إلى الله هو من لا يزال يعلم بأن هناك الكثير الكثير مما أنت بحاجة إليه في ميدان الهداية وتقوية إيمانك ، كزين العابدين مَن كان قمةً في العبادة والتقوى والفهم لكتاب الله سبحانه وتعالى فما يزال يقول ( اللهم بلغ بإيماني أكمل الإيمان ) إذا كنا لا نزال نحتاج إلى من يوجهنا .. من يدفعنا إلى أن تكون نفوسنا فيها ذرة من روح الجهاد الذي هو أعظم ما تناوله القرآن الكريم من أعمال المؤمنين فنحتاج إلى من يدفعنا ويشجعنا ويوعينا ويفهمنا ، ونحتاج إلى بعضنا البعض .. أليس هذا يدل على أننا ما نزال هابطين كثيراً ؟ . أين نحن من درجة أن تكون هذه مسألة مفروغ منها عندنا ؟ . فنحن الذين ننطلق إلى الآخرين ، ننطلق إليهم لنجعلهم هم من يحملون الروحية التي نحملها .. ألسنا لا نزال بعيدين عن هذه ؟ .
ما أكثر المُتَوجِّسِين فينا ممن لم يصل إلى درجة أن يقطع على نفسه إلزاماً بأن يثقف نفسه بثقافة القرآن بما فيها أن يحمل روحية الجهاد التي يريد القرآن منه أن يحملها .. ما أستطيع ــ أنا واحد منكم ــ أن نقطع بأننا وصلنا إلى هذه الحالة .
إذا كان زين العابدين يمكن فعلاً أن تصدق عليه تلك الصفات التي ذكرها الله للمؤمنين بما فيها الجهاد في سبيل الله وإن كان الواقع الذي عاش فيه واقعاً مظلماً .. أمةٌ هُزمتْ وقُهرتْ ، وأُذلت تحت أقدام يزيد وأشباه يزيد ، لكنه هو من عمل الكثير الكثير وهو يوجه ، وهو يعلِّم ، وهو يربي ، أليس الإمام زيد عليه السلام هو ابنه ؟. من أين تخرج الإمام زيد عليه السلام ؟ . إلا من مدرسة أبيه زين العابدين .
إن الحالة التي كان فيها حالة فعلاً شديدة ، بالغة الشدة ، النفوس مقهورة ومهزومة والأفواه مكممة ، لكن زين العابدين من أولئك الذين يفهمون بأن المجالات دائماً لا تغلق أمام دين الله فانطلق هو ليعلِّم ويربي ، ويصنع الرجال ، لأنه يعلم أنه إن كان زمانه غير مهيأ لعمل ما فإن الزمان يتغير فسيصنع رجالاً للمستقبل ، وصنع فعلاً وخرج الإمام زيد عليه السلام شاهراً سيفه في سبيل الله .. وترك أمة ما تزال تسير على نهجه من ذلك اليوم إلى الآن ، هو عبرة للعلماء ، قدوة للمعلمين الذين يرون بأن الأوضاع قد أُطبقت ، والناس لم يعودوا بالشكل الذي يمكن أن يؤثر فيهم كلام ، أو يحركهم كلام ، لينطلقوا في نصر الحق ومقاومة الباطل وإزهاقه فليسلكوا طريقة زين العابدين الإمام علي بن الحسين .
اجمع ولو خمسة من الطلاب تختارهم ثم علمهم ، قدم لهم الدين كاملاً ، ابعث في نفوسهم الأمل ، علّمهم الأمل الذي يبعثه القرآن الكريم ، لا تسمح لأن يكونوا عبارة عن نسخ للواقع الذي أنت فيه ، لا تسمح أن تمتد هزيمتك النفسية إليهم إلى أنفسهم ، حاول دائماً أن تعلمهم كيف يكونون رجالاً .. كيف يكونون جنداً لله .. كيف يكونون من أنصار الله .. كيف يعملون في سبيل الله لإعلاء كلمته ورفع رايته .
الكثير ممن يعلِّمون لا ينطلقون هذا المنطلق إما لأنه قد يرى أن بعض تلاميذه ليسوا ممن يثق بأن يكلمهم بكل شيء ، إذن فاختر لك تلاميذ خاصين ، تلاميذ تختارهم ممن نفسياتهم قوية ممن هم مؤهلون لحمل العلم ، ممن هم مؤهلون لأن ينطلقوا للعمل في سبيل الله ، فعلمهم ، وإن لم يكونوا إلا ثلاثة أشخاص ، وإن لم يكن إلا شخصاً واحداً .
لا يجوز أن نمشي في حياتنا هكذا جيلاً بعد جيل ومساجدنا تكتظ بحلقات العلم ، وكثير من منازل علمائنا أيضاً تقام فيها حلقات العلم لكنها في معظمها حلقات باردة . لا تصنع أكثر من امتداد للواقع المظلم ، وامتداد للهزيمة النفسية ، نتوارثها جيلاً بعد جيل ، يتلقاها التلميذ من أستاذه ، وعندما يصبح هذا التلميذ أستاذاً أيضاً يحملها للآخرين ويلقنها للآخرين ، ندرس فنون معينة لا نتحدث بجدّية عن مختلف المواضيع المهمة ، حتى أصبح الواقع هو نسيان .. هو نسيان ما يجب أن يتحرك الناس فيه .
وكلنا نعرف ذلك الظرف القاهر الذي كان يعيشه زين العابدين صلوات الله عليه ، لكن ننظر ماذا عمل زين العابدين ؟.
بنى الإمام زيداً عليه السلام ، وبنى الكثير من الرجال ، الذين انطلقوا فيما بعد حركة زيدية جهادية جيلاً بعد جيل على امتداد مئات السنين .
هو نفسه كان يقول ( اللهم بَلِّغ بإيماني أكمل الإيمان ) وقد يكون في واقعه ليس ممن رضي لنفسه تلك الحالة التي كان عليها ، لكن ذلك هو أقصى ما يمكن أن يعمل ، لا يستطيع أن يخرج هو فيعلن الدعوة إلى إعلاء كلمة الله ونصر دين الله ، ليس لضعفه هو أو لعدم كماله وإنما رأى الناس من حوله كلهم مهزومين ، كلهم مقهورين فمن الذي يستطيع أن يحركهم ؟ .
وهذه أحياناً تحصل ، تحدث وضعيات كهذه ، لكنها وضعيات هي نتيجة تقصير من قبل الناس أنفسهم يوم تخاذلوا مع الإمام علي عليه السلام كان نتيجة تخاذلهم قوة للباطل في جانب بني أمية ، جعلت مواجهتهم لذلك الباطل في أيام الإمام الحسن عليه السلام صعبة جداً ، تخاذلوا معه أيضاً ، جعلت المواجهة في أيام الإمام الحسين عليه السلام أكبر صعوبة أيضاً ، وصل الحال إلى أن يصبح واقع الأمة في عصر الإمام زين العابدين عليه السلام هو الانكسار ، الهزيمة المطلقة ، هي الظروف الصعبة هي الحالات السيئة التي يصنعها تخاذل الناس .
هي حالات يخلقها ــ أحياناً ــ ضعف وعي ممن ينطلقون للعمل ،وإن كانوا تحت راية الإمام علي عليه السلام ويحملون أسم جند الله وأنصار لله لكن وعيهم ، لكن إيمانهم القاصر ، لكن إيمانهم الناقص أدى إلى أن يرتكبوا جناية على الأمة فضيعة .. أولئك الخوارج هم مجموعة من جند الإمام علي عليه السلام انشقوا عنه في أيام صفين بعد أن رفع معاوية وأصحابه المصاحف عندما أحسوا بالهزيمة وقالوا : بيننا وبينكم كتاب الله ..
فأولئك المتعبدون على جهل ، الجنود الذين هم غير واعين تأثروا بتلك الدعاية ، وهكذا سيحصل في كل عصر لأي فئة وإن انطلقوا فيه بأنهم جنود لله وأنصار لله- إذا ما كان إيمانهم ناقصاً –سيجنون على العمل الذي انطلقوا فيه، سيجنون على الأمة التي تحركوا في أوساطها ، سيجنون على الأجيال من بعدهم ، وهم من انطلقوا باسم أنهم يريدون أن ينصروا الله ، وأن يكونوا من جنده لكن إيمانهم ناقص ، وعيهم ناقص .
الحال بالنسبة لواقعنا والأمة في مواجهة صريحة مع اليهود والنصارى ، مع أمريكا وإسرائيل ، ونحن في زمن التضليل فيه بلغ ذروته في أساليبه الماكرة ، في وسائله الخبيثة ، في خداعه الشديد ، فإن المواجهة تتطلب جنداً يكونون على مستوى عالٍ من الوعي .
الله أكبر /الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام
زين العابدين عليه السلام صاغ صحيفته بشكل دروس ، في الوقت الذي هي دعاء ، دروس وتوجيهات ، دروس وتوجيهات وحقائق ، صاغها بشكل دعاء .
هو من عرف ماذا صنع ذلك الإيمان الناقص ، أولئك الجند الذين ينقصهم الكثير من الوعي .. أيام جده علي بن أبي طالب عليه السلام ، أيام الحسين بن علي عليه السلام .. أيام الحسن عليه السلام وأيام الحسين عليه السلام كان أمامه تاريخ ، رأى فيه ما تركه الإيمان الناقص من أثر سيئ ، الجهل ، قلة البصيرة ، ضعف البصيرة ، عدم الوعي .
أتظنون أن انتصار الدولة الأموية وتمكنها لتقهر الآخرين ، ثم تمكنها لأن تصنع أمة أخرى غير الأمة التي أراد محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يبنيها من ذلك الزمان إلى الآن ؟ . أنه فقط قوتهم ، بل تخاذل من هم يحملون اسم جند الحق ، قلة إيمانهم ، ضعف إيمانهم ، ضعف وعيهم .
لماذا انتهت معركة صفين دون هزيمة لمعاوية ؟ . وقد كانت مؤشرات الهزيمة بدأت ؟ . عندما تخاذل أولئك الجنود من الصف الإمام علي عليه السلام وتحت رايته .
لماذا وقد تحرك الإمام الحسن عليه السلام ليواصل المسيرة ، مسيرة والده الإمام علي عليه السلام فآل الحال إلى أن يقف مقهوراً ويأخذ ما يمكن من الشروط لتأمين مجتمع أهل العراق ، عندما تخاذل أصحابه .
الإمام الحسين عليه السلام آلت قضيته إلى أن يقتل في كربلاء .. بسبب ماذا ؟ . تخاذل أصحابه ، التخاذل الذي يصنعه ضعف الإيمان ، قلة اليقين ، انعدام الوعي .
وكان الإمام علي عليه السلام يحذر وعندما كان يحذر كان يوجه تحذيره إلى جيشه إلى أصحابه ، وليس إلى أولئك ، إلى جيش معاوية ، يقول لأهل العراق : ( والله إني لأخشى أن يدال هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم ) . وكان جيش معاوية يجتمعون تحت رايته لكن أصحاب الإمام علي عليه السلام كانوا يتخاذلون ويتثاقلون ، والتفرق قائم بينهم لا يتحركون إلا بعد عناء وتعب شديد وتحريض مستمر ، ما الذي جعلهم على هذا النحو ؟ .
هو قلة إيمانهم فلهذا كان زين العابدين عليه السلام يوم صاغ هذا الدعاء دعاء مكارم الأخلاق صدَّره بهذه الفقره المهمة ( اللهم بلغ بإيماني أكمل الإيمان ) . فأنا رأيت ما عمله في الأمة ، ما عمله في الإسلام ضعف الإيمان ، ما عمله الإيمان الناقص من آثار سيئة ، عدم وعي إلى درجة رهيبة أن يكون أولئك الناس الذي بينهم علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين ، لكنهم عندما كانوا يرون أنفسهم لا يخافون علياً عليه السلام يأمنون جانبه ، كان يكثر شقاقهم ، ونفاقهم ، وكلامهم ، ومخالفاتهم وتحليلاتهم ، وتمردهم ، وأذيتهم .
هكذا يعمل الناس الذين وعيهم قليل . من لا يعرفون الرجال ، من لا يقدرون القادة المهمين ، لأني أنا آمن جانب علي لا أخاف أن يقتلني على التهمة أو الظِّنّة كما كان يعمل معاوية ، لا أخاف أن يدبر لي اغتيالاً ، لا أخاف أن يصنع لي مشاكل ، لا أخاف أن يوجد لي خصوماً من هنا أو من هنا فكانوا يأمنون جانبه .
وفعلاً من الذي سيخاف من الإمام علي أن يمكر به ، أو يخدعه ، أو يضره ، أو يُؤَلِّب عليه خصوماً من هنا وهناك ، كما يعمل الكثير من المشايخ .. أليس الكثير من المشايخ يعملون هكذا ؟ . إذا لم تسر في طريقة يحاول أن يمسك عليك بعض وثائقك بعض البصائر ويحاول أن يوجد لك غريماً من هناك وغريماً من هنا لترجع إليه راغماً ، الناس الذين وعيهم قاصر ، إيمانهم ضعيف هم الذين يعيشون حالة كهذه ، كلام كثير وتحدي وتحليلات وتثاقل وتثبيط ، وهم في ظل شخص عظيم كعلي بن أبي طالب عليه السلام لأنهم يأمنونه .
انظر إلى شخص ذلك القائد العظيم ، سترى نفسك آمناً في ظله ، إذن هو الشخص الذي يجب أن أكون وفياً معه ، إن حالة الشعور نحوه بأنني آمن جانبه يعني أنه رجل عدل رجل إيمان ، رجل حكمة ، فهذا هو الذي يجب أن أفي معه أن أقف بجانبه ، وأن أضحي تحت رايته بنفسي ومالي ، هي الحالة التي لا يحصل عليها أتباع الطواغيت حتى أبناؤهم ، حتى أسرهم ، حتى أقرب المقربين إليهم لا يحصلون على هذه الحالة ، لأنه يعرف ربما ابنه يخدعه يمكر به ويأخذ السلطة ، ربما قائده ذلك العظيم يخدعه ويمكر به ويأخذ السلطة فهو يخطط له في الوقت الذي هو ينفذ مهامه ، القائد يخاف ، وهو يخاف ، المستشار خائف منه ، وهو خائف من مستشاره هكذا ، ومن يعرف الدول هكذا يكون حالهم .
الدول الطاغوتية هكذا يكون حال الناس فيها ، وهكذا يخاف الناس حتى وهم يعملون لله .. أليس هذا هو ما يحصل ؟ . في البلاد الإسلامية على طولها وعرضها ، من هو ذلك المؤمن الذي يقول كلمة حق وهو لا يخاف .. يخاف أولئك الذين هم من كان يجب أن يصدعوا بالحق ، وأن يعلوا رأس هذه الأمة وأن يرفعوا رايتها ، لكن هكذا يصنع ضعف الإيمان ، فمتى ما جاء لأهل العراق كصدام .. كالحجاج انقادوا وخضعوا وتجاوبوا وخرجوا بنصف كلمة ، نصف كلمة يصدرها فيتجاوبون سريعاً .. لكن الإمام علي عليه السلام كان يقول ( قاتلكم الله يا أهل العراق لقد ملأتم صدري قيحاً ) وكان يوبخهم ( يا أشباه الرجال ولا رجال ) يوبخهم لا يخرجون ولا يتحركون ، إلا بعد الخطب البليغة ، والكلمات الجزلة ، والكلمات المعاتبة ، والكلمات الموقفة ، والكلمات المتوعدة بسخط الله ، والمتوعدة بسوء العاقبة في الدنيا حتى يخرجوا ، فإذا ما خرجوا خرجوا متثاقلين ، لأنهم كانوا يأمنون جانبه .
هل هذا هو السلوك الصحيح لأمة يقودها مثل علي عليه السلام ؟ .
ثم إذا ما قادها مثل الحجاج ومثل يزيد ومثل صدام تنقاد ويكفيها نصف كلمة .. ما هذا إلا ضعف الإيمان ، ضعف الوعي ،عدم البصيرة .
الله أكبر /الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام
في ذلك الوقت الذي كانت تثير تلك الحالة دهشة القليل من أصحاب الإمام علي عليه السلام الذين كانوا يعرفون عظمة ذلك الرجل ، ثم يندهشون وهم ينظرون إلى تلك المجاميع الكثيرة ، الشقاق والنفاق والتفظظ ، والتراخي والكلمة المفسدة المثبطة من أطرف منافق فيهم تحطمهم وتجعلهم يتقاعدون ، كان هناك مجموعة لكنها كانت قليلة .
وهل أن الإمام علي عليه السلام لم يكن يعمل على أن يصنع لدى الآخرين بصيرة ، بل كانت خطبه خطب مهمة جداً ، خطب مهمة جداً قادرة على أن تحول الرجال إلى كتل من الحديد ، لكنهم أولئك الذين كانوا لا يفتحون آذانهم .
هذه هي مشكلة الناس ، مشكلة الناس في كل زمان في أيام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، في أيام الإمام علي عليه السلام ، في كل زمان الذين لا يفتحون آذانهم لا يمكن أن يؤثر فيهم أي شيء ، هم الذين يعجزون القرآن ، ويعجزون محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ، ويعجزون علياً عليه السلام ويعجزون كل أولياء الله ، يجعلونهم عاجزين أمامهم الذين لا يفتحون آذانهم ، أو يفتحونها فترة ثم يضعون لأنفسهم خطاً معيناً ويروا بأنهم قد اكتفوا ، هؤلاء هم من تكثر جنايتهم على الأمة وعلى الدين جيلاً بعد جيل .
ونحن نحذر دائماً من أن يضع الإنسان لنفسه خطاً فإذا ما رأى بأن ظروفه المعيشية هيأته إلى أن يتفرغ أكثر من جانب من جوانب العبادة كالصلاة مثلاً كما يستمع موعظة هنا وموعظة هناك مرة أو مرتين ثم يقول الحمد لله اكتفيت .. تأتي المتغيرات وتأتي الأحداث ، ويأتي الضلال والخداع والتلبيس بالشكل الذي ستكون ضحيته أنت ، يكاد أن يأخذ حتى أولئك الكاملين ، بعض المتغيرات ، وبعض الأحداث وبعض وسائل التضليل ، وأساليب الخداع تكاد أن تخدع الكبار أولئك الذين يدعون دائماً ( وبلغ بإيماننا أكمل الإيمان ) .
ألم يذكر القرآن الكريم عن خداع بني إسرائيل ، عن خداع اليهود أنهم كادوا أن يضلوا رسول الله ؟ . كادوا أن يضلوه لولا فضل الله عليه ورحمته ، أولئك الناس الذين كانوا يجاهدون تحت رايته ألم يكونوا يتعرضون للتثبيط فيتخاذلون من جانب المنافقين ، وهم من يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
هكذا إذا أنت لم ترب نفسك ، إذا أنت لم تنمِّ إيمانك ووعيك ، فإن المنافقين هم من ينمون نفاقهم ، هم من يطورون أساليبهم حتى يصبحوا مَرَدَة ، يصبحوا خطيرين قادرين على التأثير .. قادرين على ضرب النفوس { وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } (101) سورة التوبة من خبثهم استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، استطاعوا أن يستروا أنفسهم عن بقية الناس ، أنهم منافقون ، ثم تنطلق منهم عبارات التثبيط ، عبارات الخذلان فيؤثرون على هذا ، وعلى هذا ، وعلى هذا ، تأثيراً كبيراً ، هؤلاء مردة ، كيف أصبحوا مردة ؟ . لأنهم من يطورون أساليب نفاقهم ، من ينمّون القدرات النفاقية داخل أنفسهم ، فأنت يا من أنت جندي تريد أن تكون من أنصار الله ، ومن أنصار دينه في عصر بلغ فيه النفاق ذروته .. بلغ فيه الضلال والإضلال قمته يجب أن تطور إيمانك ، أن تعمل على الرفع من مستوى وعيك .
فإذا لم يكن الناس إلى مستوى أن يتبخر النفاق أمامهم ، أن يتبخر التضليل أمامهم فإنهم هم قبل أعدائهم من سيجنون على أنفسهم ، وعلى الدين ، وعلى الأمة ، كما فعل السابقون ، كما فعل أولئك الذين كانوا في ظل راية الإمام علي عليه السلام وفي ظل راية الحسن عليه السلام وفي ظل راية الحسين عليه السلام وفي ظل راية زيد عليه السلام .
كان الإمام زيد عليه السلام يقول : ( البصيرة البصيرة ) يقول في ذلك القرن في مطلع القرن الثاني : ( البصيرة البصيرة ) .. يدعوا أصحابه إلى أن يتحلوا بالوعي ، ألم ينهزم الكثير ممن خرجوا معه ؟ . ألم يتفرقوا عنه ؟ . لأنهم كانوا ضعفاء البصيرة كانوا ضعفاء الإيمان ، كانوا قليلي الوعي أدى إلى أن يستشهد قائدهم العظيم ، أدى إلى أن تتحكم دولة بني أمية من جديد .
رأينا ماذا عملوا جنوا على الأمة من جديد ، فتحملوا أوزار من بعدهم وهكذا ، الهزيمة في مجال العمل لله ، ضعف البصيرة في مجال العمل لله ، ضعف الإيمان في مجال العمل لله ، قد يجعلك تترك أثراً سيئاً تتحمل فيه أوزار الأمة ، وأوزار الأجيال من بعدك ، ليست قضية سهلة ، بل خطورة بالغة ، خطورة بالغة ، هي أخطر بكثير من تخاذل الطرف الآخر عن بعضهم بعض ، لهذا رأينا ماذا حصل في أحد ــ وهو درس مهم ــ عندما تخاذل أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما بدءوا يتنازعوا ، بدأ الفشل ، بدأ العصيان وهم تحت قيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا حصل ؟ . هيئ لهم أن يضربوا بالكافرين فعلاً { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ } .
لتفهموا أن تخاذلكم ليس سهلاً هو جناية على الأمة ، جناية على الرسالة لكن إذا تخاذل جند أبي سفيان هل سيتحمل أولئك المتخاذلون شيئاً ؟ . لا . مطلوب منهم أن يخرجوا عما هم عليه .. لكنك أنت متى تخاذلت وأنت تحت راية محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأنت من تهيئ الساحة لأن ينتصر الجانب الآخر جانب الكفر ، فستنجني على الرسالة وتجني على البشرية كلها .
واعتقد أن الفساد في العالم كله ، المسلمون الأوائل الذين تخاذلوا .. المسلمون الأوائل الذين حرفوا ، المسلمون الأوائل الذين قعدوا عن نصر دين الله ، هم من يتحمل جريمة البشرية كلها ، لأنهم هم من حالوا دون أن تكون هذه الأمة بمستوى النهوض بمسئوليتها ، فتحمل الرسالة إلى كل بقاع الدنيا ، هذا كان هو المطلوب من العرب .
لكن أولئك أصحاب الجباه السوداء من طول السجود تحت راية الإمام علي الذين تحولوا إلى خوارج بجهلهم بغبائهم ، لعدم وعيهم .
من الوعي أن تفهم هذه النقطة ، من الوعي أن يفهم المؤمنون هذه النقطة الخطيرة ، أنه فيما إذا تخاذلت أنا سيكون تخاذلي جناية على الأمة ، جناية على الأمة في الحاضر والمستقبل ، وسأكون أنا من يتحمل أوزار من بعدي ، أوزار كل من ضلوا ، وفسادهم وضلالهم من بعدي جيلاً بعد جيل ، أولئك عندما تخاذلوا عن نصرة الإمام علي عليه السلام لضعف وعيهم وقلة إيمانهم ، مع كثرة ركوعهم وكثرة تلاوتهم للقرآن ، هم من حالوا دون أن تسود دولة الإمام علي عليه السلام ويهزم جانب النفاق والتضليل ، جانب معاوية .
ماذا لو كانوا من أصحاب الإيمان الكامل وانتصر بهم الإمام علي عليه السلام ؟ . كيف سيكون واقعهم هم عند الله ؟ . ستكونون عظماء ، فتكونون مشاركين لكل إنسان مؤمن يهتدي في هذه الدنيا ، لو وقفوا وقفة جادة مع الإمام علي عليه السلام فانتصر الإمام علي عليه السلام واستطاع أن يغير وجه التاريخ ، واستطاع أن يغير هذه الأمة فيردها إلى نفس التربية التي أراد لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تتربى عليها .
كان الإمام علي عليه السلام يقول ( لو استقرت قدماي في هذه الَمدَاحِض لغيرت أشياء ) أشياء كانت قد ترسخت خطيرة .. لماذا لم يقفوا معه ليتمكن من تغيير تلك الأشياء ، ومن إعادة بناء الأمة على أساس صحيح فيحظوا هم ، يحظوا بالسبق فيكونوا كالسابقين في بدر ، ولكن تخاذلوا لضعف وعيهم ، لقلة إيمانهم .
( وبلِّغ بإيماني أكمل الإيمان ) حتى وإن كان هو زين العابدين ، ما يزال ذلك الرجل الذي يقطع ليله في العبادة ، ويجوب شوارع المدينة يحمل الطعام فوق جنبه ، فوق ظهره يوزعه للضعفاء والمساكين والأرامل ، من حيث لا يشعرون ، هو من كان لا يزال يدعو : ( وبلغ بإيماني أكمل الإيمان ) ليقول للناس من بعده ، وهي نفس الكلمة التي رفعها زيد عليه السلام لأصحابه ( البصيرة .. البصيرة ) فلم يستبصروا ، فتخاذلوا ، فقتل ، واستعاد بنو أمية حكمهم من جديد .
نحن نقول : ليس فقط بنو أمية الذين يتحملون أوزار هذه الأمة بل وأولئك الذين تخاذلوا تحت راية الإمام علي عليه السلام ، من صف الإمام علي عليه السلام ، ومن صف الإمام الحسن عليه السلام ، ومن صف الإمام الحسين عليه السلام ، ومن صف الإمام زيد عليه السلام ومن بعده من الأئمة كل من تخاذلوا ، هم ممن يتحمل الأوزار الكثيرة .
ليس فقط أوزار العرب ــ هذه خطورة تخاذلنا نحن العرب ــ العرب إذا ما تخاذلوا يتحملوا حتى أوزار الآخرين من الأمم الأخرى لأنهم هم لو استقامت دولة الإسلام في وسطهم ، لو استقرت وضعيتهم ، وكانوا على صراط الله وهدي الله ، هم من يستطيعون أن يغيروا وجه الأرض هذه بكلها ، فكل تخاذل أنت مشارك فيه ، وزر ذلك الرجل في طرف استراليا أو في المكسيك أو في أمريكا أو في أي منطقة .
خطورة هذه على العرب أكثر من غيرها فعلاً لأن الله قال فيهم { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } لتهدوا الناس فإذا ما تخاذلتم عن أن تقوموا بهذه المهمة فإنكم شركاء في أوزار الناس .. كل الناس .
من الذي كان بإمكانه أن يبلغ هذا الدين ؟ . الذي كتابه عربي ولسانه عربي وأعلامه عرب ؟ . إلا العرب أنفسهم لكنهم تخاذلوا فرأينا ما رأينا . من أين يأتي التخاذل ؟ . من ضعف الإيمان .
الله أكبر /الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام
ويقول عليه السلام : ( واجعل يقيني أفضل اليقين ) يكون الوعي أحياناً بشكل معلومات مهما بلغت درجته ، يكون بشكل معلومات في نفسك حتى يطمئن إليه قلبك ويستقر في قلبك فتبلغ درجة اليقين التي تؤهلك للاستقامة والثبات .
أليس القرآن هو ارفع درجات الوعي .. احمل مصحفاً صغيراً في جيبك ، هل ستكون واعياً إلى درجة عالية ؟ .. لا . قد تكون في أعمالك بالشكل الذي يضرب القرآن وهو في جيبك . لا بد للأشياء أن تنتهي في نفسك إلى درجة اليقين ، تترسخ فتنطلق هي لتجعل من قوامك مستقيماً مستقراً ثابتاً { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } { قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ } قالوها بألسنتهم فوعوا معانيها ، ثم ترسخت في أنفسهم بشكل يقين فاستقاموا ، استقاموا وثبتوا .
اليقين هو معنى أن تكون عظيم الثقة بالله . ألسنا نؤمن ــ كمعلومات ــ أن الله على كل شيء قدير ؟ . وأن الله سينصر من نصره إن الله لقوي عزيز ؟ . ألسنا نؤمن بأن الله مع الذين آمنوا ؟ . وأن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ؟ . وأنه وعد المجاهدين في سبيله بأن يؤيدهم بنصره وبملائكته ؟ . هذه مجرد معلومات .. أليس كذلك ؟ .
لكن نريد أن تصبح يقيناً في أنفسنا .. يقيناً في أنفسنا .. حينها نلمس أننا أصبحنا عظيمي الثقة بالله ، واثقين بالله ، واثقين بصدق وعده .. هذه حالة نفسية نحتاج فيها أيضاً إلى أن نرجع إلى الله لنطلب منه هو : ( واجعل يقيني أفضل اليقين ) .
الله هو الذي يملك القلوب ، ويملك النفوس وهو الذي سيهيئ لك الكثير والكثير مما يصنع اليقين في نفسك ، مما يملأ قلبك يقيناً وطمأنينة .
وحتى لا نغلط أن نقول : نحصل على وعي . ولكننا نرى أنفسنا ليس وعينا أكثر من مجرد معلومات ، هي نفسها غلطة كغلطة من يضع لنفسه خطاً هناك ، أنت ستضع لنفسك أيضاً خطاً هنا : علمت من خلال التحليل الفلاني للآية الفلانية من خلال مشاهدات معينة من خلال كذا أو كذا .
حاول أن تنطلق إلى أن ترسخ هذه كلها في نفسك لتتحول إلى يقين ، وإلا فستكون أيضاً جندياً ضعيفاً ومؤهلاً لأن تضرب دينك وأمتك من جديد . هي الحالة التي نعاني منها جميعاً نحن المسلمين . . أليس القرآن بين أيدينا ؟ . أولسنا بعيدين عنه ؟ . ما الذي ينقصنا ؟ . هل هو العلم بأن القرآن من عند الله ؟ . نحن نعلم جميعاً لكن مجرد معلومة .. ما الذي يجعلنا نتعامل مع القرآن بالشكل الذي يجعل علمنا به واقعاً في نفوسنا ، واقعاً في سلوكنا ، في حركتنا في الحياة ؟ . هو اليقين .. يقين في النفس يتحكم في كل مشاعرها في كل حركاتها في كل مواقفها . أنت هنا تحتاج حاجة ماسة إلى الله أن تطلب منه هذا الجانب المهم من هدايته ، أن يرسخ اليقين في نفسك .. ( واجعل يقيني أفضل اليقين ) .
إذا لم يكن لديك يقين ، فما أكثر ما تمر في حياتك بالأشياء التي تجعلك ترتاب ، تجعلك تشك ، تشك في نفسك ، تشك في أعلام الهدى الذي أنت تتمسك بهم . تشك حتى في ربك ، هناك من المضلين من يستطيع أن يجعل الكثير يشكون حتى في الله ، أو لم تنتشر الشيوعية في بقعة كبيرة من الدنيا في أوساط البلدان الإسلامية ؟ . أو لم يكن هناك من يظهر من بينهم فيتحدى المسلمين ، ويتحدى علماء المسلمين يناظرهم ، هناك فلاسفة برزوا من بينهم يستطيعون أن يصيغوا الشبهة ، وينمقوا بزخارف القول باطلهم الذي يؤدي إلى الإلحاد بالله فخدعوا شعوباً كثيرة .
إذا لم يكن لديك يقين فستسمع الكثير الكثير مما يعمل على أن يملأ قلبك ارتياباً وشكاً في طريقتك التي أنت عليها ، في من يقودك ، في من يهديك ، حتى في الدين الذي أنت عليه حتى في الإله الذي أنت تعبده .
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } وصل إيمانهم إلى درجة لا يمكن أن يتعرض للارتياب ، لا يمكن أن يؤثر فيه من يعمل على أن يخلق في القلوب الارتياب .
{ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } .. ماذا يعني هذا ؟ . يقين .. تحول إيمانهم إلى يقين راسخ في نفوسهم ، وعي كامل ترسخ بشكل يقين في أعماق نفوسهم فلم يتعرضوا للارتياب لا من خلال شكوكهم هم ووساوس الشيطان لهم ، ولا من خلال الآخرين من يعملون على محاربة هذا الدين ومحاربة من يؤمن به ، ويتحرك في سبيله .
ثم يقول عليه السلام ( وانته بنيتي إلى أحسن النيات ) النية نفسها مهمة جداً . هي قصدك وأنت تتحرك في مختلف ميادين العبادة لله سبحانه وتعالى توجهك ، هي النية التي تجعل لعملك قيمة أو تجعله لا قيمة له ، وإن سقطت ضحية في الميدان .
وليست تلك النية التي تجعل كل قطرة من دمك تتحول إلى مسك يوم تبعث بين يدي الله . إذا لم تكن نيتك هي النية التي تجعل روحك تعيش في عالم آخر حياً فستكون أعمالك كلها لا قيمة لها . بذلك كله لا قيمة له ، تضحياتك كلها لا قيمة لها .
ولأهمية النية تتكرر في القرآن الكريم ــ وهو يأمر عباده في مختلف مجالات ميادين العبادة ــ أن عليهم أن يتوجهوا بعبادتهم إليه .. { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } . وعن الجهاد يقول دائماً فيه { فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أليس كذلك ؟ . تتكرر هذه . يقول لك يجب أن يكون توجهك وتكون نيتك وقصدك وأنت تتحرك في ميادين العمل في سبيل الله ، ميادين أعمال الجهاد أن يكون ذلك كله في سبيل الله ، من أجل الله من أجل نصر دينه ، من أجل إعلاء كلمته . لا أريد من هذا أن يقدر لي عملي ، ولا أريد من هذا أن يشكرني على ما عملت ، ولا أريد من هذا أن يعلم ماذا صنعت . ولا أريد من هذا أن يعلم أثر ما قدمت . أريد ممن يعلم الغيب والشهادة هو وحده أن يكتب لي أجر ما عملت ، وأن يتقبل مني ما عملت وبدون منَّة عليه .. سأقول له : هذا هو أقل قليل يمكنني أن أعمله ، هذا هو ما يمكنني أن أعمله وهو قليل يا إلهي في جانبك ، هو قليل في جانب ما يجب عليّ لك .
فما أكثر ما تكررت كلمة ( في سبيل الله ) . أو تأتي أحياناً بأبلغ منها ( في الله) { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } .
ثم أنت حتى تتمكن أن تقطع على نفسك أن لا تلتفت إلى غير الله ، وأنت تنطلق في الأعمال العبادية . بمختلف أنواعها قارن بين الله وبين الآخرين الذين تحاول أن يلتفتوا إليك ليقدروا عملك ، أو يشكروا جهدك ، أو يثنون عليك ما قيمة ثناءهم عليك ؟ . ما قيمة تقديرهم لعملك ؟ . ماذا يمكن أن يصنعوا لك بجانب ما يمكن أن يصنعه الله لك ؟ . قارن بين الله وبين الآخرين ، ستجد أنه ليس هناك أحد بمستوى أن تشركه في ذرة من عملك ، في مستوى أن ترجو منه أقل قليل ، قد يكون في مقابل أن تفقد الكثير الكثير من ربك .
ليعظم الله في أنفسنا حتى يصغر كل ما سواه في أعيننا .. الإنسان الذي يرائي ، الإنسان الذي ينتظر الثناء من الآخرين ، الذي ينتظر الجزاء من الآخرين هذا هو إنسان ليس لله في نفسه ذرة من شعور بالعظمة ، هذا هو إنسان فعلاً يؤله الإنسان أكثر مما يؤله رب العالمين ، هذه هي الحماقة بنفسها ، هذا هو الغباء بنفسه ، هذا هو الضلال بعينه ، هو ضياع للأعمال والجهود .
الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل أيضاً . إذا انطلق الناس وكلهم مخلصون لله سيخلصون في السر وفي العلن ، وفي السراء والضراء ، وفي الشدة والرخاء ، وسيخلص سواء هو أمام فلان أم ليس أمامه ، سيخلص في أي عمل يقوم به سواء رآه أحد أم لم يره أحد ، سيكونون هم مجموعة يحافظون على توحدهم على أرقى درجات ما يمكن أن يصل إليه الناس في توحدهم ، فما يفرق بين الناس إلا هذه المشاعر مشاعر الرياء .. ( أنا تحركت فلم يقدروا جهودي ، هؤلاء لا يصلحوا .. لا يريدون إلا فلان ، لماذا فلان أنا لا يريدونني ) ، وهكذا فتذهب من عندهم والآخر يذهب والآخرون يذهبون ، وهذا يذهب من عندك لأنك ذهبت من عنده هكذا .
لكن إذا انطلق الناس من أجل الله فما الذي سيفرق بينهم حينئذ ، سيكونون جميعاً نفسياً مهيئين لأن يقبلوا توجيهاً من أجل الله . لأنه ليس في نفوسهم شيء آخر بديل ، ليس لدينا مطامع شخصية ، ولا مقاصد شخصية ، لا مادية ولا معنوية وبالتالي فما الذي يحول بيني وبين أن أقبل هدياً واحداً من جانب الله ، أسير عليه أنا والآلاف من زملائي ، إنما أحياناً لا تسير مجموعة مكونة من عشرة أشخاص إذا كان داخلها من له رؤى أخرى يعمل على بناء شخصية ــ كما يقولون ــ أن يكون هو مفكراً ، أن يكون له حق التفكير ، وحق إبداء الرأي ، أن يكون له حق أن ينظر ، وله حق .. وله حق .. إلى آخره . يملأ رأسه بالحقوق الشخصية له ، وحينئذٍ فأي جانب من التوجيهات هي من داخل القرآن الكريم سيعمل على أن يدفعها ، فإذا كان زميله هذا أو ذلك ممن يمكن أن يقبل ذلك التوجيه من الله سبحانه وتعالى لأنه ليس لهم هناك قائمة للحقوق الشخصية داخل نفوسهم فإنه وهم لن ينسجموا .. بل ستكون حركته في الساحة مختلفة عن حركتهم ، وسيعمل على أن يصنع في الساحة نسخاً من نوعيته في الناس ، وهذا هو نفسه من أهم بواعث التفرق ، ذلك التفرق الذي يصبغ كل طرف فيه ما هو عليه بصبغته الدينية فيضفي على تفرقه وخلافه صبغة دينية .
الناس إذا ذابوا في الله سبحانه وتعالى قبلوا جميعاً ، هديه الواحد .. ألم نقل أمس في المحاضرة أن هناك نموذج مهم لهذا الجانب هو أنبياء الله على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم ، تلمس فيهم روحية واحدة ، وصفاً واحداً ، بل يعطوا الموثق بالله ، والشهادة ، والعهد لله : أنه إن بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أن يقفوا جنوداً معه أن ينصروه ، أليس هذا هو قمة الذوبان في الله ؟ . وهم أنبياء مكانتهم عالية .
ما الذي جعلهم على هذا النحو ؟ . إلغاء تلك القائمة الطويلة العريضة في نفوسهم : لي حق أن أكون كذا ولي حق كذا .. ولماذا لم يعتدوا برأيي ، ولي حق إبداء نظري ولي حق .. ولي .. الخ .
أنت تستطيع أن تنفع الإسلام وتستطيع فعلاً أن تنطلق في الساحة فتقيِّم كل شيء تنظر إلى أعمال الآخرين من أعداء الله فتراقبها عن كثب ثم ارفع وجهات نظرك إلى الآخرين ممن تراهم قادة لك أو أعلاماً لحركتك ، وهم إذا كانوا مخلصين مهتمين سيكونون ممن لا ينظروا نظرة احتقار إلى أي شخص مهما كان ، فبإمكانه أن يذكرنا بقضية مهمة ، ألم يتمكن هدهد من أن يدل أمة بكاملها على أن تسلم ؟ . ألم يستفد سليمان عليه السلام من نملة واحدة ؟ . الكل بحاجة إلى أن يذوبوا في الله ، والكل بحاجة إلى أن يتحركوا بجدِّية ، وكل واحد منهم يتحرك وكأنه هو القائد ، وكأنه هو المعني بكل شيء ، بشكل مراقبة لواقع الآخرين وأعمال الآخرين وأي قصور أو تثبط أو تخاذل يحدث من جانب الآخرين من زملائه .
ثم ليقدم كل معلوماته لمن يرى أنهم هم من يقودون أعماله ، من يتحرك هو وهم في سبيل الله سبحانه وتعالى وفي مواجهة أعداءه .
الإخلاص مهم في قيمة الأعمال عند الله ، وأحياناً قد تخسر قيمة كبرى لعملك ، ليست هي ما يمكن أن يعطيه عملك في حدوده ، بل آثاره أيضاً ، آثاره في الآخرين ، وآثاره في الأمة من بعدك .. الإنسان إذا رائى أنه سيخسر شيئاً عظيماً ، يخسر أجراً مضاعفاً يتكرر جيلاً بعد جيل .
أما إذا أخلص لله فسيكون هو من يلقى الله سبحانه وتعالى بأجر كبير بأعمال مضاعفة ، ليست فقط هي أعماله بل ومن أعمال الآخرين ، ومن حسناتهم الذين كان عمله سبباً لهدايتهم ، من كان عمله سبباً لإنقاذهم ، ومن كان عمله سبباً لتوعيتهم ، وتبصيرهم ، وإكمال إيمانهم . أليس هذا هو الفضل العظيم ؟ .. ألم يقل الله عن أولئك المجاهدين { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } لأنه هكذا أنت في ميدان أن تصنع لنفسك فضلاً عظيماً عند الله ، أن تبني لنفسك رصيداً مهماً من الأجر الكبير من الحسنات المضاعفة عند الله ، المجاهدون هم أولئك الذين يعملون على أن ينقذوا الأمة وينقذوا الأجيال من بعدهم فيكونوا هم من سيشاركون كل فرد في الأعمال الصالحة التي ينطلق فيها .. أليس هذا هو الفضل العظيم ؟ . عمرك القصير سبعين سنة ، ثمانين سنة ، ستين سنة .. ماذا يمكن أن تتسع له أمام تقصيرك وقصورك وجهلك ؟ ! . لكن تلك الأعمال المهمة هي الكفيلة بتغطية ذلك النقص .
أليس هذا هو فضل الله يؤتيه من يشاء بهذه العبارة ؟ . ( يؤتيه من يشاء ) فمن هو الذي يجعل نفسه جديراً بأن يؤتيه الله ذلك الفضل ، هو من ينطلق في أعماله بإخلاص .
هذا هو ما يتعلق بقيمة الإخلاص لله ، فيما يتعلق بأجر العمل ، وهو في نفس الوقت له أثره المهم في توحيد كلمة الأمة ، توحيد كلمة المجموعة ، كلمة العاملين ، بل وفاعليتهم سينطلقون بجد حتى وإن كان في ظلمات الليل في الصحراء لا ينتظر لأحد أن يلتفت إليه فيقول : ما شاء الله . يرى نفسه في حالة شديدة في الصحراء من البرد ، من الجوع ، من الألم لا يخطر بباله أن يتمنى أن فلان يراني ليعرف أني أحسن من ذلك الشخص الذي رابض عنده ، أو أحسن من فلان الذي يعتمد عليه .. أو من هذه العبارات الكثيرة ..
هو وحده واثق أن هناك من يراه هو الله ، وهذا هو المهم أن يكون الله الذي يراه ، هو وحده الذي يقبل عمله ذلك .. أليس الإخلاص هو الذي سيجعل كل جندي يتفانى في أي ميدان هو ؟ . أليس الذي هو سيقفل كل بواعث التفرق ؟ .
معظم بواعث التفرق هي البغي والحسد .. والبغي والحسد منبعه هو النظرة الشخصية ، مصالح شخصية ، حقوق شخصية ، أهداف شخصية ، ومقاصد شخصية.. أليس هكذا الله تحدث عن أولئك الذين تفرقوا من بعد أنبياءهم ، أن ما كان يدفعهم للتفرق هو البغي هو الحسد .. البغي من بعضهم على بعض اعتداءهم ، ومتى ستعتدي على أخٍ لك في الله وأنت وهو منطلقان في ميدان العمل لله بإخلاص لله .
من الذي سيفرق بينكم ؟ . الله الواحد الأحد يمكن أن يفرق بينكم ؟! ، وهو الذي لم يفرق بين أنبياءه جيلاً بعد جيل ، وهو الذي طلب منا كمؤمنين أن نؤمن بأن لا نفرق بين أنبياءه { لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } أبداً .. لا الله . ولا هديه ، وإنما أنت أو أنا ، إذا ما ابتعد عن الإخلاص لله سيظهر البغض سيظهر الحسد ، ستظهر المصالح الشخصية ، ستظهر المقاصد السخيفة ، ستظهر الحماقة .
ثم حينها سيكون كل طرف قوي .. قوي في سبيل مواجهته للطرف الأخر لأنه حينئذٍ أصبح يتحرك لتحقيق أهداف شخصية لديه ، وما أحمق الإنسان وما أضعف إيمانه ، وما أضعف يقينه بالله إذا ما كانت حركته قوية عندما يتحرك من أجل مصالحه ومن أجل مصالحه الشخصية ، ومن أجل تحقيق أهدافه ، ثم هو الضعيف الضعيف إذا ما كانت حركته لله وفي سبيل الله .
الإخلاص لله سيقضي على كل هذه السلبيات ، على كل الثغرات سيسدها . حتى تكون نيتك على هذا المستوى أيضاً ، أنت من يفكر دائماً في عظمة الله ، وفي حاجتك إليه ، وفي أنه وحده فوق كل طرف آخر ممكن أن تطلب منه شيئاً أو تخاف منه شيئاً ، الثناء من قبله وحده عليك أعظم من أي ثناء من الآخرين عليك . فمنه وحده أطلب أن ينتهي بنيتك إلى أحسن النيات ، فقل : ( وانته بنيتي يا إلهي إلى أحسن النيات ) انتهي بنيتي إلى أحسن النيات . هل أني على هذا النوع ؟ . هل يكون هذا مقصدي ؟ . ، إليك أنت وحدك يا إلهي ، اجعل عملي على أحسن ما ترى ، وجهه إلى أحسن ما ترى .
فأن يكن عملك في الله ، ومتى كان العمل لله انظروا ماذا عمل سبحانه وتعالى لأولئك من أهل البيت الإمام علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام عندما تصدقوا بشيء بسيط لكنه انطلق منهم على هذا النحو {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} هذه الروحية ، هذه النية ، تلك المقاصد هي التي جعلت حفنة من الشعير ، أقراص معدودة تخلد ذكر أولئك الذين قدموها لمسكين واحد ، وأسير واحد ، ويتيم واحد ، تخلد تلك الفضيلة وتلك العطية العظيمة البسيطة في القرآن الكريم ، فنحن نقرأها لنعرف نحن كيف أن يكون همك هو أن تكون نيتك صالحة لله وفي الله ، وأنت تعمل في سبيله ، وأنت تقوم بأي عبادة من عبادات الله في صلاتك ، في صيامك ، في ذكرك لله ، في حجك ، في إنفاقك ، في قولك الحق ، في نصيحتك ، في كل عمل تعمله ، يرضي الله أن يكون مقصدك فيه هو من أجل الله .
ستكون حينئذٍ الكلمة الواحدة يضاعف لك أجرها ، لأن الله رحيم ، فقط يريد منا أن نتجه إليه وأن نخلص له ، أليس هذا هو أقل قليل يطلب منا ؟ . أم أنك تريد أن يرحمك ، وتريد أن يدخلك جنته ، وتريد أن يعمل كذا ويعمل كذا وكذا ، وأنت حتى لا تتجه إليه ؟! . هذه حماقة ، هذا أسلوب خاطئ جداً ، هو يقول لك اتجه إليّ بعملك ، القليل من عملك سأضاعفه ، بل سأكتب آثاره { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } الله يكتب ما قدمت أنت من أعمال ويكتب آثارها .
أليست هذه من أظهر مظاهر رحمته بنا ؟ . فقط يقول لنا : أخلصوا أخلصوا .ولأن الإخلاص له وهو الذي لم يخرج عن القاعدة العامة لهدي الله أن كل شئ من الإيمان بالله أولاً والإخلاص له كل شئ له أثرٌ في حياتنا ، أثر في نفوسنا ، أثر في وحدة كلمتنا ، أثر في أن تكون أعمالنا ذات أثر ــ كما تحدثنا عن الإخلاص ــ ليس أن الله يقول كذا من منطلق الأنانية هل يمكن أن نقول كذا بالنسبة لله ؟ . بل لأن كل شئ هدانا إليه حتى توحيده هو له أهميته الكبرى فيما يتعلق بنفوسنا ، وفيما يتعلق بمسيرتنا في هذه الحياة ، ليس هناك شئ من دين الله ليس له أثر في واقع الناس ، في واقع الحياة ، في صالحهم في الحياة في عزتهم في الحياة ، في كرامتهم ، في عظمتهم ، في سعادتهم في كل شئ ، لأن الله هو غني عن عباده ، أليس كذلك ؟ .
لو كفر الناس جميعاً بالله لن يضروه شيئاً ، لن ينقصوا من كماله شيئاً ، ولأنه الكامل ولأنه الغني الذي لا يحتاج إلى أحد ، هو من جعل كل شئ من هديه ودينه ذو مصلحة لعباده الذين هداهم إلى هذا الدين وأرشدهم إليه ، ودعاهم إليه لمصلحتهم في الدنيا وفي الآخرة ، لو تأمل الإنسان هذه الأشياء ، المظاهر المتعددة لرحمة الله لوقف خجلاً أمام الله ، مستحياً أمام الله في ميدان الإخلاص ، يقول لك توجه إليّ .
وأنت لو تأتي ببديهتك ومن أول نظرة لتقارن بين الله وبين غيره لن تجد أحداً ، ترى نفسك مندفعة إلى الله سبحانه وتعالى لترجو منه وتخاف منه وتتمسك به وتثق به .
ويقول عليه السلام : ( وانته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال ) . كما أنه مطلوب منا في مقام الإيمان ، في مجال اليقين .
آيات الكمال في إيمانك في يقينك في نيتك ، كذلك في الأعمال نفسها لا تكن ممن يرضى لنفسه أن يقف عند أعمالٍ معينة أن يضع لنفسه روتيناً معيناً في الحياة في الأعمال لله .. حاول دائماً أن تبحث عن أحسن الأعمال ، أن تشترك في أحسن الأعمال ، أن تدخل في أحسن الأعمال ، بل أن تكون سباقاً إليها ، لا تقل : المهم حسنات سيكفيني هذا ، وقد قالوا بأن من عمل كذا سيكون له حسنات ، ثم عدها عشر عشر ، ثم انظر كم سيكون لك في السنة .
الأمور ليست على هذا النحو ، بل ربما أن الحسنات هناك لا تكتب لك إطلاقاً إذا لم تنطلق إلى الأعمال الأخرى الكبرى ، إن الأعمال الكبرى هي نفسها من تجعل للأعمال الصغرى قيمتها ، من تجعل حتى الأعمال الصغيرة ذات أهمية كبيرة .
أتدري أنك متى ما كظمت غيظك من أجل أن لا يشمت بك الناس ، أو أن يقولوا قد أصبح يتشاجر فلان وابنه أو فلان وأخوه . هذا شئ جيد ، لكن أن تكظم غيظك من أجل أن تحافظ على وحدة الناس الذين أنت تريد أن تنطلق معهم في سبيل الله ، تكظم غيظك وتعفوا عن صاحبك وعن أخيك من أجل هذا المقصد هو من يجعل لكظم الغيظ هنا وللعفو هنا أثره الكبير وأهميته البالغة ، يعتبر جزءً من الجهاد وعمل من الأعمال التي تهيئ الأمة للجهاد فما أعظم الجهاد الذي هو سنام الإسلام .
هكذا ابحث عن أحسن الأعمال لأن أحسن الأعمال هي من تجعل أعمالك الصغرى التي قد ألفت عليها ، وتجعل تلك الأعمال التي هي في متناولك يومياً تجعلها ذات أهمية كبيرة وأهمية بالغة .
أنت مرتبطٌ بالكمال المطلق هو من جعل الوصول إليه كمالاً متدرجاً ، كمالات سلم في درجات الكمال في مجال الأعمال ، في مجال الإيمان ، في مجال اليقين ، في مجال النية لتحظى بالقرب منه كلما صعدت درجة في سلم كمال إيمانك كمال أعمالك ، كلما كنت أكثر قرباً منه ، ألم يقل الله سبحانه وتعالى { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } السابقون هم من يختصرون المسافة هم من يقفزون إلى الدرجة الوسطى في سلم الأعمال ، قبل أولئك الذين يبدءون السلم من أسفله من أول خطوة فيه ، ثم ليقفزوا إلى الدرجة العليا أو الدرجة الوسطى في سلم الأعمال فيكونوا أقرب من غيرهم من الله .
كيف نتصور القرب من الله ؟ . هل قرب أفقي أو قرب إلى تحت أو قرب في اتجاه العلو ؟ . نحن مفطورون على هذا الشعور أن اتجاه إلى القرب إلى الله هو في السُّمُو أليس كذلك ؟ . عندما يقول : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } هل تفهمون المقربون ، هكذا اتجاه أفقي أو كذا تحت ؟ . مقربون لأن الله كامل والله هو العلي العظيم هو من يكون أولياءه هم أولئك الذين يتدرجون في سلم الكمال إلى حيث ينتهي بهم الكمال الذي أراده الله لهم .
إذاً فلا بد للإنسان المؤمن من واقع حرصه على أن تكون أعماله ذات قيمة كبرى عند الله ، ومن واقع حرصه على أن يحظى برضا الله سبحانه وتعالى ، وهو يعلم أن هذا العمل سيكون لله أرضى ، وسيكون فيه لله رضى أكثر من هذا العمل الذي أنا عليه ، بل إذا انطلقت إلى هذا العمل الأكبر سيكون هذا العمل الذي أنا عليه أكثر رضا لله ، وأنت من واقع حرصك على أن تحصل على رضا الله ، والله هو من يجدر بنا أن نبحث عن رضاه ، هو من يكون لرضاه أثره الكبير في حياتنا ، وأخرتنا فانطلق إذاً لتدعوه سبحانه وتعالى أن ينتهي أيضاً بعملك إلى أحسن الأعمال ، عملي الذي أنطلق فيه ، اجعله يا الله من يمتد إلى أن يكون من أحسن الأعمال ، عملي الذي أنطلق فيه ، اجعله يا الله من يمتد إلى أن يكون من أحسن الأعمال ، وعملي بصورة عامة ، جنس عملي ينتهي بي إلى أن أعمل أحسن الأعمال داخله .
فهل يدفعك أيضاً إلى أن تنظر لعملك الذي أنت عليه ، والأعمال تختلف بعضها أعمال تبدوا صغيرة لكنها ممن يمكن أن يكون لها غايات كبيرة ، لها امتداد عظيم ، فاطلب من الله أن يساعدك على أن تسير في هذا العمل ، لأنك تعلم أنه بداية عمل كبير ، لأن أي عمل تنطلق فيه هو بداية عمل لإعلاء كلمة الله ومواجهة أعداء الله ، فإن الكلمة الواحدة داخله ، فإن الخطوة الأولى فيه هي مهمة .
أطلب من الله أن يساعدك على أن تستمر فيه لينتهي هذا العمل الذي أنت قد بدأته إلى أحسن الأعمال ، وعادة العمل الواحد من هذا النوع هو من يشق طريقه في سلم تكامل الأعمال فيصعد إلى أعمالٍ كثيرة ، أعمال كثيرة من وحدة كلمة ، من بناء أمة إلى أن تصبح أمة كما قال تعالى { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } هذا هو سلّم الأعمال نفسها ، عملك من هذا النوع لا يقف على وَتِيْرَةٍ واحدة ، ستراه وهو يدخل إلى أعمال كبرى ، ستراه وهو يمتد .. يمتد وهو يصعد في سلم الأعمال فترى أعمالاً كبرى وكبرى وكبرى إلى آخرها .
أعمال أخرى هي قد تكون محدودة ، وقد تكون نادرة ، أنا لا أتذكر عملاً واحداً إذا ما صلحت النية وصلح توجه الإنسان فإن كل عمل ينطلق فيه باعتبار الأعمال كلها شبكة واحدة يخدم بعضها بعض ، فسيكون كل عمل له أثره في المجال الذي أنت تهتم به ، للغاية التي أنت تريد الوصول إليها بالأعمال وبالأمة .
الصلاة نفسها سيكون لها قيمتها ، الزكاة نفسها سيكون لها قيمتها ، الحج سيكون له قيمته أي كلمةٍ تنطلق فيك أو شخطة بقلم لكلمة تكتبها سيكون كلها من هذا النوع الذي هو يصب في قالب عمل يمتد ويمتد ليصل إلى حيث يعلي كلمة الله تعالى ، ويعلي راية الله ، إلى حيث يزهق الباطل ، أوليس الأمة بحاجة إلى هذا العمل ؟ . أوليس اليهود والنصارى هم من يعملون دائماً على أن يزهقونا ويزهقوا أرواحنا ويزهقوا إسلامنا ، يزهقوا ديننا ، وكرامتنا ، وعزتنا ، واقتصادنا، وثقافتنا وكل شئ .
لاحظوا .. هم من يسيرون على هذا النحو يريدون أحسن الأعمال التي تكون أكثر تأثيراً في ضربنا ، ويبحثون عن أكمل دائرة من الأعمال في الجانب السياسي ، في الجانب الثقافي ، في الجانب الاقتصادي ، في الجانب كذا وكذا ، لا ينسوا حتى الأطفال ، لا ينسوا حتى النساء ، لا ينسوا حتى الكبار ولا الصغار ، لا ينسوا أحداً أبداً أن يضلوه بأي طريقة ، دائرة واسعة من الأعمال ينطلقون فيها ويبذلون في سبيلها المبالغ الكبيرة من أجل أن يزهقوا الحق ، من أجل أن يزهقوا هذه الأمة في دينها وفي كرامتها كما قد فعلوا .
الله أكبر /الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام
فلنقل جميعاً : اللهم صل وسلم على محمد وآله ، وبلّغ بإيماننا أكمل الإيمان .. واجعل يقيننا أفضل اليقين .. وانته بنياتنا إلى أحسن النيات .. وبأعمالنا إلى أحسن الأعمال .
وصلى الله على محمد وعلى آله الطاهرين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق