الأحد، 1 يونيو 2008

هل يأمر الرئيس عتاولته باعتقال مجلس التضامن الوطن؟


كتب/ أسامه حسن ساري
osama_sar@hotmail.com


المتابع للأحداث الأخيرة المتصلة بقضايا الرأي والحقوق وحرية التعبير.. بشكل عام الهامش
الديمقراطي في اليمن..سيما بعد احتقان المشهد الاعلامي والصحفي نتيجة الضغوط السلطوية على
مختلف الصحف الاليكترونية والمطبوعة ، والاعتقالات التي تعرض لها الكثير من الصحفيين
والناشطين السياسيين والحقوقيين لتضييق الخناق على الرأي وعلى تناولات الصحافة لقضايا
الفساد والانتهاكات السلطوية وجرائم الجيش في صعدة والاعتقالات العدوانية على علماء
وهاشميين لمجرد أنهم شيعة.. وانطلاقاً من قضية الكاتب والناشط السياسي والحقوقي الأستاذ
عبدالكريم الخيواني,.. واسقاطاتها وتداعياتها على الرأي والشارع العام.
المتابع لتفاصيل هذه التطورات أول مايتبادر إلى ذهنه عندما يقرأ " رؤية مجلس التضامن الوطني
حول المشاكل بالمحافظات الجنوبية والشرقية ومعالجة القضايا السياسية".. هو السؤال البديهي..
هل يوافق الرئيس وحاشيته المؤتمرية على هذه الرؤية و يتفاعل معها؟..أم يأمر عتاولته باعتقال
مجلس التضامن الوطني " المبنى فقط" أما الهيئات فلن يجرؤ..
الخيار الثاني يبدو - لمن يعرف السلطة جيداً - أكثر احتمالاً..
فرؤية مجلس التضامن الوطني والكتابات الدائمة والمتنوعة لـ " عبدالكريم الخيواني" يصبان في
قالب واحد.. القضية واحدة..فساد السلطة.. تجاوزاتها..انتهاكاتها للقانون.. مصادرتها للحقوق
والحريات.. استعلاء قياداتها وأباطرتها ومرتزقتها على الدستور..تغليب المصالح الشخصية
للمسئولين والوزراء والقادات العسكريين والبرلمانيين وغيرهم على مصالح الوطن والمواطن..
نهب المال العام.. نهب الممتلكات الخاصة.. الالتفاف على الاستثمارات.. جاهزية النتائج
الاستباقية للانتخابات.. الخداع الديمقراطي.. القمع والتهديد ، وغالباً اللجؤ لاستخدام الجيش
وآلياته لاستخدام أصوات المظلومين.. الحكم الفردي المتسلط.. مصادرة حق المشاركة في صنع
القرار.. التحدث بلغة المنتصر على إرادة الشعب.. احتكار المجالس المحلية والبرلمان والشورى
والوظيفة العامة..الفساد القضائي.. غياب العدالة الاجتماعية .. إهدار المال العام ونهب الموارد
المختلفة.. وقضايا كثيرة وممارسات سوداوية متنوعة قادت الوطن إلى نفق مظلم..

** جميع هذه القضايا تصدى لها قلم الخيواني بلغته الحرة والشجاعة.. فتم تغييبه في السجون
وتلفيق التهم له.. والتلويح بـ" كرت أحمر" لمختلف الأقلام النزيهة .. هي ذاتها القضايا التي
نقرأها بين سطور رؤية مجلس التضامن الوطني..
** رؤية المجلس تم طرحها بأسلوب المناورة الذكية.. كما عهدنا الشيخ حسين الأحمر ، الشاب
المتحمس والمتفاعل مع قضايا الوطن والناس,.. يصفع السلطة بقوة ويفضح ألاعيبها المقيتة
بذكاء شديد.. بينما الخيواني " ربنا يكون في عونه" طرح آراءه برشاقة جريئة لا تخلو من الحدة
والمصداقية تفاعلاً مع القضايا والمستجدات أولاً بأول.. مباشر.. لايحابي ولا ينافق.. كلماته
تقصف كالرعد وتهز كراسي الطغيان.. لأنه لا يحب اللف والدوران..
إنما القيادة السياسية ستفهم الطرفين وتصنفهما في خانة واحدة..

** يا شيخ حسين.. هل يحتاج الوطن فعلاً إلى هذه الرؤية من أجل الوصول إلى التغيير الإيجابي
وفتح صفحة جديدة في حياة الشعب؟.. وإذا سلمنا بذلك.. هل المحافظات الجنوبية فقط بحاجة إلى
رؤية تعالج قضاياها؟..
لا أعتقد ذلك.. اعذرني لست معك في هذا.. لسببين:
- الأول: مقترحات الرؤية تتعارض كلياً مع سياسة السلطة ومناهجها العملية على أرض الواقع..
فالسلطة تكرس جهودها وطاقاتها لاستنزاف الوطن.. ولتغطية انهزاماتها وعجزها بافتعال الأزمات
والصراعات والحروب الداخلية..وأيضاً لتأمين مستقبل نخبة معينة في السلطة تتداولنا حماقاتها
وأطماعها منذ 30 عاماً..
مقترحات الرؤية وأطروحاتها هي معلومة للسلطة.. والرئيس يقرأها كل خمس سنوات في الدستور
وفي القوانين المبروزة في أدراج سكرتاريته..
وبالتالي لن يقبل الرئيس بهذه الرؤية.. ليس لعدم قناعته بإيجابيتها وجدواها.. إنما لأنه مغلوب
على أمره.. فالظاهر لنا أن الوزراء والمشائخ والمرتزقة من قادات الجيش ورؤساء المؤسسات
العسكرية والأجهزة الأمنية ورجال الأعمال.. مجرد موظفين عند الرئيس.. لكن الحقيقة المغيّبة
تؤكد أن الرئيس هو الموظف الفعلي عند هؤلاء العتاولة.. فهم الذين يصيغون قراراته..
ويوجهونه.. فهو تربيتهم وتلميذهم منذ صعوده.. بدليل أنه مازال متربعاً على عرش البلاد ثلاثين
عاماً ، في ظل وجود هؤلاء الحاشية والمرتزقة الثائرون ضد كل من يتعارض مع مصالحهم..

** لذا فإن رؤية مجلس التضامن الوطني تتعارض مع مصالحهم.. وليس مع قناعة الرئيس.. فما
على المجلس إلا أن " يفعل الخير ويرميه البحر" .. قد تحرص السلطة على إرضاء ثقلك السياسي
والاجتماعي ببعض الاجتماعات والحوارات التنظيمية الحزبية.. لكن القرارات والنتائج ستظل
حبيسة الأدراج والواقع يشهد خلافها..

** يا شيخ إنهم مغرورون ومنتفخون بالجيش والأجهزة الأمنية التي يتزعمها أبناؤهم
وعتاولتهم.. لذا يستصغرون المواطن ويقللون من قيمته وإنسانيته.. ويستضعفونه ويضربونه
بكل مدافعهم وأسلحتهم ويسلطون عليه وحشيتهم ويدمرون مدنه وقراه وممتلكاته دون أن يهتز
لهم ضمير.. لأنهم لا يمتلكونه من الأساس.. كما يفعلون في صعدة وكما فعلوا -ومازالوا- بحرف
سفيان..
كل أعمالهم وبناءاتهم - التي ستهدها رؤية المجلس - انطلقت منذ 30 عاماً ، وأساسها مبني على
حسابات ربحية ومطامع نخبوية و " ارزح لي ارزح لك"..

** السبب الثاني : المحافظات الجنوبية والشرقية ليست منفردة بهذا الظلم والانتهاكات والطغيان
والبغي..
الفرق أنها تفجرت ولم تحتمل المزيد.. بينما تجد المحافظات الشمالية ملغومة أشد من الجنوب..
فالمعلوم أن المشاريع الاستراتيجية والإيرادية والخدمية والاستثمارية تتجه إلى الجنوب بنسبة
80%.. بينما المحافظات الشمالية مازالت رهينة التخلف والجهل والحرمان فلا تحصل من مشاريع
وخدمات الدولة إلا نسبة 20%.. وأبناؤها ليسوا بمعزل من الظلم والاضطهاد والتعامل المناطقي
في المؤسسات والوزارات والوظيفة العامة والنظرة نحوهم دونية..
قد تختلف مسميات وملامح القضايا ، لكنها تظل متشابهة في آثارها وتصنيفها ضمن خانة
واحدة.. الظلم والانتهاك والحرمان وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام المواطنة المتساوية
ومصادرة الحقوق والحريات وعدم احترام الانسانية..

** يا شيخ حسين .. المحافظات الشمالية جميعها ملغومة ، والسلطة تدرك ذلك جيداً .. وتدرك
مخاطر وتبعات إنفجار الشمال وثورته.. فالسلطة تستهين بالجنوب ، لكنها لا تقلل من شآن
الشمال وغضبه وثورة الجياع فيه..
لهذا السبب وكي لا يحدث الانفجار .. مازالت السلطة تستثمر حرب صعدة وحملات القتل والإبادة
الجماعية والاعتقالات للهاشميين والتيار الزيدي .. وستظل تستثمر وتؤجج هذه الحرب وتستنفد
كل الأسباب والأساليب الوحشية والاجرامية لنقل المعارك وفتح جبهات جديدة في مناطق متفرقة
من المحافظات الشمالية..
فالسلطة تجد في حرب صعدة وتوسيع نطاقها وتأجيجها منفذاً مناسباً للهروب من انفجار
المحافظات الشمالية - أسوةً بالجنوب- ضد الفساد والظلم والانتهاكات..
لهذا لم تدخر السلطة أسلوباً أو جهداً أو ريالاً واحداً في الخزينة العامة في سبيل تأجيج وتفجير
حرب طائفية ضد الزيدية والهاشميين بهدف إخماد ثورة شعبية قبل اشتعال فتيلها..
فالسلطة تعلم جيداً أن ما لا يقل عن 60% من الملغومين في الشمال لن يشاركوا أو ينصروا حرب
طائفية.. فهي تضمن حيادهم بمافيهم حلفاؤها من رؤساء القبائل المتزلفين.. وأيضاً تلقنهم درساً
قاسياً ، باستنزاف طاقاتهم وتدمير ممتلكاتهم ومدنهم وقراهم وإهلاك شبابهم والقضاء على
حيويتهم ومواردهم وحتى مصالحهم الخدمية.. مثلما حدث من جرائم في مديريات صعدة وسفيان
وغيرها.. نهب محلات تجارية ومخازن ومجوهرات وقتل نساء وأطفال وتدمير آلاف المساكن
وتشريد الأبرياء والبسطاء ودفعهم للتسول دون شفقة أو رحمة..
وبالتالي تقدم لهم هذه الحرب الهستيرية درساً يجعلهم يفكرون الف مرة قبل أن يقدموا على انفجار

أو ثورة ضد ظلم.
كما تستفيد السلطة من هذه الحرب للقضاء على طاقات المحافظات الجنوبية واستنزاف مواردها
وإهلاك معسكراتها وجنودها المقاتلين.. فالحرب ترمي عشرات العصافير بحجر واحدٍ..
وأنت يا شيخ حسين هدف للسلطة فأنت تزعجهم ولايمكن أن تصير حليفاً لهم - سيما لعيالهم..
كما أنك أحد الطيور الجارحة المطلوب تصفيتها في ساحة هذه الحرب الهوجاء..
لكن الواضح والمؤكد أن الخيط فلت من يد السلطة في هذه الحرب وربما يرتد التدبير على
المدبِّرين..

** المهم رؤية مجلس التضامن الوطني منصفة ومنطقية وعقلانية.. وتنم عن توجه سليم

لمناصرة الانسان والأرض وحماية الحقوق والحريات وإنصاف المظاليم وحلحلة المشاكل..
لكن التوقيت الذي طـُرحت فيه سيدفع الرأي العام في الشمال والجنوب إلى الاعتقاد بأن المجلس
شريك في المسرحيات والسيناريوهات السياسية التي يعانيها الوطن.. وهذا ربما يسبب تراكمات
رؤيوية تشكك مستقبلاً في مصداقية المجلس.. وكان العول على عدم تسرع المجلس واندفاعه في
طرح هذه الرؤية ، بينما الأهم من ذلك أن موقفه تجاه حرب صعدة وجرائم السلطة فيها لا تختلف
عن مواقف سائر التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام.. وكأن ضحايا الحرب
ليسوا بشراً ولا يمنيين.. إن التعويل على المجلس أن يبادر إلى طرح رؤى لتغيير مراكز القرار بما
يكفل إبعاد المجانين والحمقى والمرتزقة عن السلطة وانتزاع قرارات صادقة لحقن الدماء..
فالحقوق المادية أو المؤسسات والممتلكات لا تشكل قضية طالما هناك إبادات وحرائق ونهب
وسفك دماء.. كما أن الحقوق السياسية هي الأخرى لن تشكل فارقاً في حماية الوطن والمواطن لأن
الذين سيصعدون من أبناء الجنوب سيتم تطويعهم فتبقى مصالحهم الشخصية نصب أعينهم
ويخضعون لأي قرارات لاإنسانية ولأي مغالطات وخداع للمواطن.

ليست هناك تعليقات: