الأربعاء، 11 يونيو 2008

خارطة طريق صعدة



ريما الشامي

هاهي الحرب العبثية تستعر مجددا للمرة الخامسة في صعدة على نحو
فظيع من القتل والدمار وتوسع رقعتها الجغرافية لتشمل عدة
محافظات لتتضاعف مع هذا الوضع معاناة الناس ولتضاف المزيد من
عوامل الصراع والانقسام باتجاه تعقيد الأزمات القائمة وخلق
المزيد منها في اتجاه الدفع بالبلاد إلى الهاوية ، وها نحن
نصرخ من قعر هذا الجحيم الذي يعيشه وطننا للعام الخامس على
التوالي بان توقف هذه الحرب المجنونة التي حولت صعدة الى ساحة
مستباحة ومفتوحة للقتل والحرب والدمار بلا حساب في ظل ظروف لا
إنسانية يتعرض فيها أبناء المنطقة إلى أبشع جرائم الحروب تحت
ستار الحصار والتعتيم والإغلاق عن العالم .

إن جنون القتل والدمار الذي تعيشه صعدة هذه الأيام للمرة الخامسة قد يشفي غليل
تجار الحروب وجنرالات السلطة جراء استمرار سقوط المئات من القتلى والجرحى من
أبناء هذا الوطن ولكن كل دورات العنف المستعرة تعطينا درسا شاخصا للعيان هو أن
طريق الحروب لا يوفر أية حلول مهما استفحل القتل والدمار وأن الحرب الخامسة
والسادسة والسابعة سيكون حالها مثل سابقاتها ولن تضيف إلا المزيد من الجراح
والمعاناة وعوامل الصراع على نحو كارثي يهدد السلم الأهلي والاستقرار
الاجتماعي لكافة فئات الشعب اليمني لأن الحروب الداخلية ودورات العنف المتكررة
التي يعيشها الوطن تثبت دائما انه لا أحد منتصر فيها وأن وظيفتها فقط هي إنتاج
المزيد من الكوارث وتعقيد الأزمات الوطنية لذا فالمطلوب من هذه السلطة أن توقف
حكم البلد بالحروب وبسياسة الأرض المحروقة التي تطبقها لخمس سنوات متوالية في
صعدة دونما نتيجة غير تعقيد الأزمة وتوالي فصول الحرب والقتل والدمار ، ويجب
التأكيد مرة ثانية وثالثة وعاشرة أن الحروب الداخلية لا توفر حلولا وطنية
لقضايا البلد إطلاقا غيرأنها بالاتجاه العكسي تعمل على استفحال المشكلات و
إضافة المزيد من عوامل الصراع والاحتقان على نحو ما هو قائم اليوم في الحرب
الخامسة التي يزداد معها منسوب نزيف الدم اليمني المسفوك وتتوسع رقعتها
المكانية والتداعيات السلبية التي تنذر بالأسوأ .
إن إفشال جهود الوساطة القطرية واتفاقية الدوحة واللجوء إلى شن الحرب الخامسة
والزج بالجيش إلى ساحة صراع داخلية إنما هو تصرف جنوني لسلطة فاقدة للمشروعية
الدستورية ولم يعد لديها من إمكانيات الحكم والإدارة غير الدفع بالبلد نحو
الصوملة وخلق واقع الطائفية والعنصرية واستخدام القوة العسكرية والحروب
الداخلية لإرهاب مواطنيها وقهرهم وإرغامهم على القبول بالظلم والفساد
والاستبداد في اتجاه تحويل صعدة إلى دروس في القهر والخضوع وتعميمها على الوطن
اليمني .
إن هذه الأوضاع المتردية المنهارة التي يعيشها وطننا على امتداد رقعته
الجغرافية في الجنوب و الشمال والشرق والغرب إنما هي حصاداً لسياسات الحكم
الفردي التي تدير البلد برؤؤس الثعابين وتوازنات قوى الفساد و صناعة الكروت
واللعب بالمتناقضات وضرب الخصوم ببعضهم ، هذه السياسات التي يجيدها الرئيس
صالح ويغذيها بواسطة المال العام وامكانيات الدولة التي سخرها في الحفاظ على
بقائه في السلطة ل30 عاما مضت هي هذه السياسات الفاشلة التي انتجت الأزمات
والصراعات والدمار الذي يعيشه وطننا واقعا يوميا ، ولعل هذه الحال التي صارت
اليها بلدنا اليوم في ظل احتدام الحرب الخامسة في صعدة ودخولها مرحلة خطيرة
تتوعد فيها السلطة بالابادة الجماعية والتصفيات الجسدية لجزء من أبناء الوطن
بالاضافة الى توسع مساحة الحرب يستدعي هذا الحال من القوى السياسية
والاجتماعية وأحزاب المعارضة أن يبادروا الى وقف هذه الحرب المجنونة على نحو
عاجل بكل مايمتلكونه من امكانيات من أجل الحفاظ على ماتبقى من وطن اسمه اليمن
أكلته الحروب ودمر حكم الفرد مكتسباته النضالية و قيمه الدينية والوطنية
واستقراره الاجتماعي .


مؤتمر وطني لوقف الحرب

ان القوى السياسية والاجتماعية في البلد وعلى وجه التحديد أحزاب اللقاء
المشترك ينبغي عليها ان تدرك ماذا يعني استمرار هذه الحرب العبثية مجهولة
الأسباب طوال الفترة السابقة الى اليوم والى أين ستجرنا ؟ وأي مصير ينتظر هذه
البلاد جراء الدورات المنتظمة لدورات العنف والاقتتال على مدار 5 سنوات والى
أمد يعلمه الله وحده ؟ خاصة وان الحرب الخامسة الحالية تعطي مؤشرات سلبية جدا
بالنسبة لتوسع الصراع ودخول عوامل انقسام لم يكن المجتمع اليمني يعرفها من قبل
؟ وكذا فان معطيات هذه الحروب الدورية كلها تؤكد أن البلد تتجه نحو الفوضى
والصوملة و العنصرية العرقية و الصراع الطائفي الذي خلق من العدم وتم توظيفه
بالقوة طيلة الحروب السابقة ويبدو أن افرازاته السلبية تلوح في الأفق حاليا
وتهدد باضافة المزيد من عوامل الفرقة .

ان هذا الوطن وطننا ويكفي كل هذا العبث والفساد والدمار الذي لحق به والذي
يهدد حياتنا ومستقبل اجيالنا ومالم تتحرك الفعاليات الوطنية وتكثف جهودها
وتقدم المبادرات والحلول لوقف هذه الحروب ومحاصرة اثارها السلبية فسنجد بلدنا
في أتون الصوملة والاحترابات الاهلية والطائفية التي لم تعرفها اليمن من قبل

ان المشهد الوطني الراهن بالغ الكارثية والخطورة في ظل الاصرار على مواصلة نهج
الحروب الداخلية وتكرار دورات العنف بقرار فردي وفقا للرغبات الشخصية ومن ثم
فان على أبناء هذا الوطن أن ينتظروا النتائج الكارثية التي تهدد وجودهم
الانساني على نحو مانرى حاليا في ظل تداعيات الحرب الخامسة وعليه فان هذا
الوضع لا يعفي القوى السياسية الوطنية واحزاب اللقاء المشترك ان يظل موقفها
يراوح عند مستوى بيان يدعو الى وقف الحرب أو اطلاق دعوة نظرية لعقد مؤتمر وطني
، بل أن الواجب الانساني والديني والوطني يفرض على قوى المعارضة ان لا تنتظر
أكثر مما قد مر من الوقت وأن تأخذ بزمام المبادرة وتتقدم بموقف وطني عملي لوقف
هذه الحرب العبثية بناءاً على قراءة واعية للحظة الراهنة وتراكمات الحرب
وأثارها المترتبة على مصير البلد واستقرارها وتقدم بغير تردد بالدعوة الى
مؤتمر وطني عام تجتمع فيه كل فعاليات البلد السياسية والاجتماعية والثقافية
توضع في قائمة أجندته الرئيسية قضية صعدة وحروبها المتواصلة بحيث تطرح فيه بكل
شفافية وتجرد ووضوح على طاولة البحث والتحليل والنقاش لفهم الأسباب الحقيقية
التي تقف وراء هذه الكارثة الوطنية المستمرة وتشخيصها تشخيصا علميا موضوعيا
حتى يمكن تقديم البدائل والوصول الى حلول ناجعة جذرية لوقف دورات الحرب
المتكررة نهائيا.

ان الكارثة الانسانية والوطنية التي تعيشها صعدة ينبغي أن تحل في الاطار
الوطني لأن صعدة وأبنائها هم جزءا من الشعب اليمني وما يلحق بصعدة من أذى
سينعكس على الوطن اليمني كله لذا فان الاطارالوطني الذي يضمن حلا ناجعا لتلك
المأساة التي ساحتها جزء من الأرض اليمنية هو مشاركة كافة فئات الشعب
وفعالياته في وضع حد لحروبها المستعرة دوريا ولن تتحقق هذه الشراكة الوطنية
بغير مؤتمر وطني عام لكل فعاليات المجتمع اليمني يتم فيه الوقوف على حقيقة هذه
الحرب وأبعادها وأسبابها الجوهرية المجهولة الى اليوم و التي لا يعلمها أحدا
من أبناء الشعب رغم دخول الحرب عامها الخامس وهذا الوعي والاحاطة بالأسباب
والخفايا التي تقف وراء الحرب وتجددها سنويا سيؤدي الى تقييم موضوعي سليم يضمن
ايجاد حلولا وطنية لوقف الحرب نهائيا وتجنب تكراراها في مناطق يمنية أخرى ، ان
المسؤلية الوطنية توجب اليوم على مختلف فعاليات البلد أن تعيد صعدة الى اطارها
الوطني ولن يكون هذا بغير وقف يد التسلط الفردي وعبثه فيها طيلة الحروب
الماضية حتى اليوم كونه المسؤل عن هذه الحروب التي تشن كل مرة بقرار فردي
بعيدا عن الدستور والقانون ولأنه ظل دوما يرفض أي دور أو شراكة للقوى السياسية
وفعاليات المجتمع في هذه القضية الوطنية الخطيرة و أكثر من هذا يحجب المعلومة
ويغلق صعدة عن الوطن والعالم و يمارس فيها الحرب بمنتهى الحرية وكأنها أرض عدو
و ليست محافظة يمنية .


تصحيح مسار الثورة

ان تصحيح مسار الثورة والجمهورية صارت اليوم ضرورة وطنية ماسة وعاجلة لإنقاذ
البلد من أزماتها المتفاقمة جراء سياسات العبث والفساد والحروب التي يعيشها
وطننا بعد ان صار ثانية الى حكم فردي أسري مستبد ارتد عن الثورة وانقلب على
النظام الجمهوري ويمارس تحت يافطته سياساته الجهنمية في تدمير البلد ومكتسباته
الوطنية التي حققها خلال مايقارب نصف قرن هي عمر الثورة التي نشدت للشعب
الحرية والديمقراطية والعدل والحياة الانسانية الكريمة ولكن الى اليوم لازلنا
نراوح عند نفس المكان ولازال حال هذا الشعب المسكين لم يتغير بل الأسوأ ان
النتائج جاءت عكسية اذ صارت البلد مجددا الى حكم ملكي اختلف فيه فقط اسم
الأسرة الحاكمة وأكثر من ذلك أصبحت اليمن دولة فاشلة مهددة بالفوضى والانهيار
الشامل.

ان الثورة وأهدافها والنظام الجمهوري الذي قامت لاجله ، كل هذه القيم
والمكتسبات تتعرض اليوم ومنذ 30 عاما مضت للتصفية والافراغ والارتداد عنها من
قبل حكم فردي ألحق المؤسسات الدستورية به وجعلها مجرد موظف تابع وهمش دورها
في المواقف الوطنية ، والسؤال الذي ينبغي أن يجد اجابة شافية هو :
أين مصدرالخطر الحقيقي على الثورة والنظام الجمهوري ؟
ومن هي الجهة التي تتسلط على الشعب وتستبد به وتمارس توريث الحكم عمليا في
طريق العودة بالوطن الى عصور الملكية والحكم الفردي التي عاشتها اليمن قبل
الثورة ؟

مرور 45 عاما على قيام الثورة والنظام الجمهوري يعتبر وقتا كافيا لترسخ
الثورة وتجذر مؤسسات النظام الجمهوري في واقع حياة البلد الا ان الواقع المعاش
يكشف حال هذا الوطن المحكوم بواسطة فرد وأسرة حاكمة تسيطرعلى مفاصل السلطة
والجيش والمال العام وتعبث كيفما تشاء وكأنه لم تكن هناك ثورة ولم تقدم تضحيات
ونضالات لأجل الحرية والخلاص من الحكم الفردي الأسري ولعل حروب صعدة هي احد
تجليات هذا العبث بالبلد وبمقدراته وباستقراره الاجتماعي من اجل السلطة
والبقاء فيها للأبد وتوريثها للأبناء وأفراد الأسرة فالرئيس صالح الذي يحكم
اليمن منذ 30 عاما مضت يسعى من وقت مبكر لتوريث الحكم في اطار أسرته فقد حصر
قيادة الجيش وتكويناته العسكرية المؤثرة بأيدي نجله وأفراد أسرته المقربين الى
جانب تفكيكه وتسريح الكوادر الوطنية المؤهلة وبنائه على معايير القرابة
والأسرية من أجل ضمان الولاء الشخصي وتحويله أي الجيش الى ميلشية خاصة بالرئيس
يستخدمها ويوجهها نحو المجتمع كأداة قمع من أجل فرض الاستبداد بالسلطة
وتوريثها لنجله وأفراد أسرته أمرا واقعا وبالقوة العسكرية وهذا ماتشهد عليه
حروب صعدة المتتالية .

ان هذه الحروب المتواصلة في صعدة هي جزءاً هاما من أجندة التوريث واستحقاقاته
وأكبر شاهد على ذلك هو اتخاذ قرارات الحرب بشكل شخصي بعيدا عن الدستور
والقانون والعمل المؤسسي واكثر من هذا يمنع وصول المعلومة للناس ويفرض التعتيم
وتغلق صعدة أمام الاعلام ومنظمات الاغاثة الانسانية ويحرم المجتمع من حقه في
معرفة حقائق وأسباب الحرب والصراع الدائر منذ 5 سنوات رغم انه هو الجهة التي
تدفع ثمن فاتورة الحرب من دماء أبنائه ومن لقمة عيشه.

و شاهدا أخر هو دعوة المعارضة المتكررة لوقف الحرب والابتعاد عن التعامل مع
المشكلات الوطنية بالقوة العسكرية والجيش والاحتكام بدلا عن ذلك الى القانون
النافذ والدستور الذي يعد المرجعية الفاصلة للسلطة والمجتمع الا ان دعوات
المعارضة دائما ما تقابل بالرفض والاصرار على عدم اشراكها في قضية وطنية خطيرة
تتفجر حروبها بشكل مستمر ودون أسباب معروفة بل حتى أن جهود الوساطة ووقف الحرب
تأتي اقليميا عبر دولة قطر.
وبعد أن وصلت البلد اليوم الى حافة الهاوية جراء السياسات الجهنمية التي ظلت
تدار بها ل30 عاما مضت فان هذا الحال يستدعي جهودا وطنية عاجلة لانقاذ الوطن
في هذه المرحلة الخطرة التي لا تحتمل أي تأخير اضافي ، والموقف الشعبي الراهن
ومختلف فئات المجتمع اليمني تنظر الى المعارضة كجهة للفعل والحسم والتأثير فيما
يعتمل حاليا بالبلد وكل هذا يفرض على المعارضة ان تكون لسان حال شعبها المستبد
المظلوم وتتقدم الى أبناء الوطن اليمني بمبادرتها الوطنية الشاملة لانقاذ
البلد ومكتسباته الوطنية واستقراره الاجتماعي وتغيير وضعه البائس الفقير
المنهك بالجوع والفساد والحروب.
سيكون من اولويات مهام المعارضة ومبادرة الانقاذ الوطنية هي ايجاد بدائل تعيد
الحياة والاعتبار للثورة والنظام الجمهوري كخيار وطني شعبي استراتيجي لا رجعة
عنه بحيث تفعل مؤسسات النظام الجمهوري بشكل عملي حقيقي يمثل جوهر الثورة و
ارادة الشعب في اتجاه بناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة بدلا عن حكم
الفرد وتسلطه وسياساته التي أحالت الوطن الى جحيم وعند ئذ سنخطو الخطوة
الصحيحة الأولى باتجاه حل المشكلات الوطنية والخروج من النفق المظلم نحو
الحرية والحياة الانسانية الكريمة.

ان هذا الموضوع والتحليل الواردأعلاه يهدف الى التأكيد على نقطتين رئيستين هما:

**1/ ان قضية صعدة وحروبها المتواصلة لن يكون حلها الا عبر الاطار الوطني الذي
يضمن توفير حلول ناجعة لوقف سلسلة هذه الحروب نهائيا وضمان عدم إمكانية
تكرارها مستقبلا في اي بقعة من الوطن اليمني ، وان هذا الاطار الوطني الضامن
لانهاء مأساة صعدة هو المجتمع اليمني بكل فعالياته وأطيافه وقواه الذي سيدرس
أبعاد الصراع ومسبباته الحقيقية بشكل علني مفتوح وبكل شفافية ووضوح وسيقدم
الحلول التي ستكون مرجعيتها الدستور والقانون وسيكون ضامنا و مسؤلا عن تطبيقها
وانفاذها بقوة الحل الدستوري و الشراكة الوطنية والاجماع الشعبي.

**2/ ان مبادرة الانقاذ الوطنية ينبغي أن لا تتأخر أكثر من هذا الوقت الذي مضى
واستفحلت فيه المزيد من الأزمات والكوارث حتى غدا الوطن على شفا الهاوية ولذا
فان هذه المبادرة ينبغي أن تمسك بجذر الأزمة الوطنية وتقدم حلولا ومعالجات
وبدائل لانقاذ البلد ومكتسباته وهذه البدائل يجب ان تنصب نحو اعادة الاعتبار
للثورة والنظام الجمهوري وتفعيله على أرض الواقع بدلا عن حكم الفرد وبالتأكيد
ستكون عندئذ هذه المبادرة فرصة ايجابية مؤاتية لانقاذ اليمن من براثن الفردية
والاستبداد وإعادتها الى مكانتها الطبيعية المفترضة بين شعوب وأمم الأرض.

ليست هناك تعليقات: