الأربعاء، 11 يونيو 2008

الخلفيات الخارجية لحروب صعدة : (خفايا وأسرار)



عبدالباسط الحبيشي

أكثر من واجب الدفاع عن النفس لم يَثبُت حتى الان أن أهل صعدة
بشكل جماعي قاموا بإرتكاب جريمة عُظمى تضُر بمصلحة الانسان أو
الوطن استدعت حشد الجيوش والطائرات والدبابات وكل أنواع
الاسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً لقتلهم وقهرهم وهدم منازلهم
والتنكيل بهم.
هذه الجيوش الجرارة وعتادها الثقيل أنشئت
وأستقدمت وجُلبت أساساً من مالِ هذا المواطن لحمايته وهو وحده
صاحب هذا الجيش وصاحب الحق الوحيد فيه وفي إتخاذ قرار الحرب من
باب أولى ضد أعدائه وليس ضد نفسه لانه لا يوجد جيش في الدنيا
يَشُن حرب على أهله ومواطنيه مهما كانت الاسباب إلا في ظل
حكومة تعمل لمصلحة قوى أجنبية.

ومرجعية هذه الحقيقة المُره التي يقع اليمن في براثنها منذ زمن طويل تبرز في
عمومية المشهد والصورة وليست في تفاصيلها الصغيرة وأرهاصاتها التافهة ويكمن
الفهم الدقيق لها من خلال معرفة الكيفية في تنفيذ السياسات الدولية ومنها
الطريقة في تطبيق "جدلية التوازن" المُسخرة لخدمة أجندات واستراتيجيات بعض
القوى الخارجية... هذه النظرية مبنية على التوافق بين المتناقضات التي صاغها
"هيغل" واخذ بها صناع القرارات العولمية الذين قاموا بحياكة سياساتهم الدولية
منها والتي تقوم على ضمان إستمرار مصالح أصحابها من خلال خلق التناقضات بين
أطراف المعادلات السياسية والايديولوجية المختلفة التي تؤدي إلى حروب طاحنة
بعيدة عن حسابات نتائج الأنتصار أو الهزيمة لصالح او ضد طرف من الاطراف
المتصارعة أو كما قال الكاتب الغربي الشهير جيم مارس "هي العملية التي يتم
فيها تصالح المتعارضات او الفرضية ونقيضها والتسوية بينهما في توليفة
تركيبية". ويتم تطبيق هذه السياسة في اليمن بدقة شديدة في كل المجالات
المختلفة ومنها حروب صعدة.
إستمرار حروب بين طرفين أو عدة أطراف دون إحراز النصر من أحدهما ودون إيقاع
الهزيمة على احد أطرافهما رغم تفاوت موازين القوة الشاسع والفاضح بينهما تدل
على أن الأهداف المعلنة من هذه الحروب ليست هي الاهداف الحقيقية بل أن أهدافها
الاساسية غير معلنة وفي الغالب مادية وسياسية وبالاحرى مادية تتمثل في إدرار
أرباح طائلة ومستمرة على أصحاب مصانع الأسلحة وعمولات ضخمة ومُرَكَبة تَصُب في
جيوب وكلائها الحصريين في اليمن وهم المدعو علي عبدالله صالح وأعوانه بالأضافة
إلى الميزانيات المهولة المصروفة يومياً من أموال الشعب لتجار وصناع هذه
الحروب وايضاً دفعات أموال المساعدات الخارجية التي تتراوح بمئات الملايين من
الدولارات التي تُصرف لإسباب متعددة لا تخلوا من إبتزاز من دول الجوار لا سيما
آل سعود الذين يشكلون طرف مُستَخدم في المعادلة السياسة في إطارها الاقليمي.

لذا نقول لكل المستغربين من مصادر الدعم اللوجستي لاسيما الأسلحة وكيفية
إيصالها وتسليمها إلى الحوثيين المتهمين بالتآمر مع الخارج زوراً وبهتاناً من
قبل السلطة اليمنية التي دأبت على تشويه الحقائق ، أن ألحوثيين براء بناء على
المعطيات الملموسة على أرض الواقع وأن ألاسلحة التي يستخدمونها هي فعلاً كما
يصرحون أنهم يحصلون عليها من قبل الجيش المعتدي عليهم بعدة وسائل منها:
بإختصار، أن أفراد القوات المسلحة تحارب دون عقيدة ودون هدف كما أنها مخترقة
ويتم تسريب خططها الهجومية والدفاعية عنوة للطرف الاخر لأن الهدف الاساسي من
الحرب هو الحرب ذاتها وأستمرارها مع الحرص على عدم منح الطرف الاخر وسائل
التفوق ، بيد أن السحر قد أنقلب على الساحر من حيث "يمكرون ويمكر الله بهم"
وانتقلت ساحة المعركة دون إرادتهم ومخططاتهم إلى قاب قوسين او أدنى من عقر
دارهم. وليست الدعايات الكاذبة والمختلقة التي يحاولون تسريبها عبر قنواتهم
الاستخبارية بإن هناك خلاف بين علي عبدالله صالح وعلي محسن الاحمر هي سبب
الضعف القائم في حسم المعركة. ألم تتوصل دولة قطر إلى عدة إتفاقات ونقضتها
السلطة مراراً؟؟؟ ألم يهني ويبارك الملك عبدالله آل سعود صاحب المصلحة الاولى
الرئيس صالح على إبطال كل اتفاقات الدوحة واستخدام عوضاً عنها لغة القوة ضد
مواطني صعدة؟

ثم الا ترون وجود تواطوء إقليمي ودولي كبيرين من خلال التعمد في التعتيم
الاعلامي الشديد على ما يحدث من جرائم قتل ومجازر وإبادة وتشريد لعشرات الالاف
من البشر التي يندى لها الجبين بنفس طريقة التعتيم على الهجوم العولمي على
العراق ، في حين تقوم الدنيا ولا تقعد لمجرد الاعتداء على الصحافي عبدالكريم
الخيواني – ليس إستنقاصاً من رسالته الوطنية الشريفة ودوره المتميز بل لتوضيح
الصورة - حيث يسقط مستوى هذا الإهتمام الدولي به تقريباً إلى الصفر عند
إكتشاف أنه يتعاطف في كتاباته مع الحوثيين!؟؟ ويُترك مصيره لجلاوزة الأمن
المخترق وبقية كلاب السلطة؟

وفي الوقت نفسه تجري على نارٍ هادئة صفقة صعدة بعيدة عن الأذهان والأعين وحتى
عن الحرب الإجرامية المتكررة والمتواصلة ضد أخواننا أبناء المحافظة الشامخة عن
طريق قضمها ببطء من قبل آل سعود لتلتحق كسابقاتها بعسير ونجران وجيزان وذلك في
إطار المسلسل التآمري القائم لتصفية اليمن من خارطة الجزيرة العربية الذي بداء
خطواته العملية منذ تولي الرئيس صالح السلطة في 1978. أو لم يعترف المرحوم
الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رئيس مجلس النواب لعقود قبل وفاته أن علي
عبدالله صالح قد فًرض رئيساَ على اليمن من قبل آل سعود وهو لايزال ضابطا
صغيراً مغموراً رغم الرفض المشائخي له؟؟ أليست هذه إدانه كافية بالعمالة بحد
ذاتها؟ ومع ذلك نستغرب أنه لم يجد هذا الاعتراف الفضائحي الصريح آذاناً
صاغية!!.

ولتوضيح بل وللتذكير عن بعض الجزئيات من مسلسل المشهد التآمري فإن بيع أراضي
واضلاع اليمن عسير ونجران وجيزان لم يتم تنفيذه في يوم وليلة بل تم على مراحل
طويلة وبدأت إجراءاته العملية يوم إغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي آخر القلاع
الشامخة التي إنتصبت في حلقوم وبلعوم التوسع الفاشي السعودي العميل ليتسنى بعد
ذلك إخراج معاهدة الذل المسماه ب "الطائف" من تحت القمامات المتعفنة التي تم
التوقيع عليها في عهد ألإمام يحي حميد الدين وعبدالعزيز بن سعود سنة 1934 في
مدينة جدة التي رفضها الشعب اليمني قاطبة لدرجة أنه لم يُراعى التجديد لها في
الموعد المحدد بستة أشهر قبل نهايتها والتي أنتهت صلاحيتها في 1994 بعد أن تم
تجديدها مرتين كان آخرها من قبل القاضي الحجري والاستاذ نعمان الذين تم
إغتيالهما لنفس السبب.

ومن الملفت للإنتباه أن صلاحيتها إنتهت في نفس سنة حرب الإنفصال المدعوم
سعودياً ، وبعد أن كان التعاطي او التحدث عنها من المحاذير والمحرمات من قبل
الجميع لما تحتويه هذه المعاهدة من صفقات ذُل وخيانه توصل إليها الطرفان من
وراء ظهر الشعب اليمني. بيد أن حرب 94 قلبت الطاولة وحولت معاهدة "العار" بين
ليلة وضحاها إلى مرجعية تاريخية وقانونية ليتم رفع مستواها من مزابل التاريخ
إلى مصاف المعاهدات الدولية المحترمة وتعميمها مباشرة من قبل ألابواق
الإعلامية الرسمية التافهه التابعة للطرفين تمهيداً لصفقة الترسيم الحدوديه
بين علي عبدالله صالح وآل سعود. إتفاق موعد حرب الإنفصال مع موعد إنتهاء
صلاحية هذه المعاهدة لم تكن من دواعي الصُدف بل من ضرورات السبق الإنتهازي بين
الفرقاء لتقبيل أيادي الأسياد وتسليم عهدة العمالة والخيانه بكل ماتعنيه هذه
الكلمة من معنى.

التدخل السعودي في حرب صعدة والصرف عليها ليس من قبل الصدف ايضاً لكنه مؤشر
لبداية إستحقاق جديد بناء على إتفاقات سرية تكتب صفحاتها بدماء اليمانيين بكل
وحشية في ظلام ليل كالح السواد كما كتبت إتفاقات إغتيال الحمدي وإتفاقات
الطريقة التي تم بها التخلص من أحمد الغشمي غير القصة المزورة المعلنة حتى
الان بإسم المفترى عليه الحاج تفاريش التي مهدت لتنفيذ تولي المدعوعلي صالح
السلطة وإتفاقات حرب الإنفصال وإتفاقات إتمام صفقات عسير ونجران وجيزان
وإتفاقات نشر الفساد وإتفاقات إفقار وتجويع الشعب وإتفاقات نهب الثروات بل
وحتى إتفاقات تحويل اليمن إلى مركز زواج المسيار والدعارة السياحية وضرب القيم
الاسلامية في مقتل بالاضافة إلى إتفاقات شحن العمال اليمنيين ورميهم في الحدود
بعد إتهامهم بالتسول وقد يصاب البعض بالذهول والدهشة عندما يعرف أن حرق
اليمنيين في أراضيهم المغتصبة قد تم بموافقة رسمية مسبقة لذا لم تنبس حكومة
النصب والفساد ببنت شفه في الدفاع عن مواطنيها. لأن هذا ليس دورها طبعاً...
هذه هي المنجزات العظيمة التي يتفاخر بإنجازها علي صالح ليل نهار! إلا يقال
بإن "كل إناء بما فيه ينضحُ"؟؟
ولم تتم كل هذه القضايا بالصدفة بل كل شئ مرسوم ومخطط له سلفاً وتكتب حروفه
ببراعة إجرامية فائقة كما تكتب اليوم مسرحيات وسيناريوهات الإنفصالات الجديدة
القادمة إذا لم يستفيق الشعب اليمني شمالاً وجنوباً لما يحاك ضده ومن وراء
ظهره بنفس الطريقة التي ترسم الان على قدم وساق خرائط حروب صعدة الهمجية.

ما هو مبرر حروب صعدة إذاً...؟؟ هل سببه الفكر الزيدي الشيعي او حتى الاثنى
عشري كما يقال؟؟ لو أفترضنا بإن ذلك صحيحاً ألم يبيح الدستور اليمني حرية
الاعتقاد أياً كان. ألا توجد جماعات أخرى في اليمن لهم معتقداتهم ويمارسونها
بكل حرية فضلاً عن دعم السلطة لها كالجعفرية وغيرها بل وحتى الديانة
اليهودية؟؟؟ لماذا تمايز الحوثيون عن غيرهم؟.

ماذا لو لم يكونوا في صعدة وكانوا في حراز مثلاً او في جِبلة هل سيتم
محاربتهم؟؟؟ أم لأنهم في محل تماس مع مذهب آخر يدعى المذهب السلفي الوهابي
(التوسعي المنبطح) الذي تم تدجينه وتهجينه وتجنيده من قبل سادة النظام
الامبريالي العولمي ليكون الاداة الفاعلة في تطويع العالم العربي والاسلامي
منذ عقود طويلة وتم نشره وتعميمه في كل بقاع العالم الاسلامي ليُلبي سياسات
وطموحات وأطماع قادة الاستعمار الجديد فمَنَع الحوثيون تقدمه وتوسعه وبلطحته
في منطقتهم التي هي جزء من اليمن بلد الايمان والحكمة بالنسبة للعالم
الاسلامي. ألم يتخرج من بين أكمام وجوارب هذا المذهب المُخترق أسامة بن لادن
الذي تبنى أحداث الحادي عشر من سبتمبر المخططة لها عولمياً تطبيقاً لسياسة
(تصالح المتعارضات) آنفاً ليكون السبب في ضرب وإحتلال أفغانستان والعراق ويظل
الفزاعة التي يرعبون بها كل الشعوب بما فيها الامريكية والأوروبية من أجل
إستمرار هيمنتهم على العالم لدرجة إعادة إنتخاب الرئيس بوش لدورة ثانية رغم
معرفة شعبه بفشله وخيبته بسبب نهيق بن لادن قرب الانتخابات الرئاسية الامريكية
السابقة؟؟

أم أن أسباب حروب صعدة هي الدعاوى التي أعترفت السلطة بكذبها لاحقاً بأن
أفراد من الحوثيين لهم علاقات بإيران وليبيا ؟ وليكن إذا كان هذا الادعاء
صحيحاً طلباً للنجدة والدفاع عن أنفسهم ووطنهم. لماذا يتم التشهير بهم
وإستثنائهم من التعامل مع الخارج في الوقت الذي يُسمح للأخرين على الملاء وفي
وضح النهار إستلام الميزانيات المنتظمة بملايين الدولارات بهدف إلغاء اليمن من
الوجود ، فهل يستدعي ذلك قصف مدن وقرى بمن فيها؟ ماذا تركت هذه السلطة
لإسرائيل من أعمال إرهابية وإجرامية ضد أخواننا الفلسطينين ولم تقم بها حتى
ألان؟؟

مالم ننفض عن عقولنا غبار العجز القائم على التقاعس لحل ألغاز الكلمات
المتقاطعة وفرز الثوابت الوطنية عن حملات الكذب والغش والخداع والتزوير
والعمالة التي تمارسها السلطة سيتحمل الجميع مسؤولية هذا الصمت إزاء العبث في
مقدرات بلادنا وهتك أعراضنا وانسانيتنا , وأولويات كشف هذا الزيف هو الإعلان
الصريح والواضح عن كل العملاء المُندسين الذين تم تجنيدهم للعبث بحياتنا
وأرضنا ومقدراتنا وثقافتنا وتارخينا تنفيذا لمصالح خارجية.

كتب/ عبدالباسط الحبيشي

ليست هناك تعليقات: